كتب: أحمد رشدي
اللسان… كلمة صغيرة في حجمها عظيمة في أثرها، إنه سلاح ذو حدين، إما أن يرفع صاحبه إلى أعلى درجات المجد، أو يهوي به إلى أعماق الندم والهلاك. إن الكلمة تخرج بلا تكلفة، لكنها قد تُحدث جرحًا لا يندمل، وقد تُطفئ نارًا مشتعلة أو تُشعل نارًا أخرى لا تنطفئ.
كم من إنسان تحطم بسبب كلمة قاسية، وكم من قلوب انكسرت لأن أحدهم لم يحسب لما يقول حسابًا، فالكلمة قد تُميت حياءً أو أملًا أو روحًا، وقد تُعيد الحياة لمن فقدها. يقول الله تعالى: “ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيب عتيد”، في إشارة واضحة إلى أن كل حرف يُقال محسوب، وكل لسان مسؤول.
وفي حوار أجرته مجلة “الصحة والحياة”، قال الطبيب النفسي الدكتور سامي الجندي:
“الكلمة الجارحة تُحدث أثرًا نفسيًا أشد من الألم الجسدي، لأنها تترك في النفس ندوبًا خفية لا يراها أحد.”
كما أوضحت الدكتورة منى عبد العزيز، استشارية الطب النفسي بجامعة القاهرة، في نفس الحوار قائلة:
“بعض حالات الاكتئاب تبدأ من كلمة تُقال في لحظة غضب، تزرع في النفس شعورًا بالعجز والرفض والكره للذات.”
وأضاف الدكتور عمرو شهاب، أخصائي العلاقات الأسرية، أن كثيرًا من المشكلات الزوجية تنشأ من كلمات مهينة لا تُنسى، ومع تكرارها تتحول إلى جدار صامت من الجفاء يصعب هدمه.
ويرى علماء الدين أن ضبط اللسان عبادة عظيمة يغفل عنها كثير من الناس، فقد قال النبي ﷺ: “وهل يكبّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم”.
فاللسان مرآة القلب، وما يفيض به القلب يخرج من الفم، فمن صلح قلبه سلم لسانه، ومن فسد قلبه جرح الناس بحديثه.
ولقد روت سيدة تُدعى “نجلاء” تجربتها المؤلمة حين فقدت ابنتها بعد أن سمعت من معلمتها كلمات قاسية قالت لها: “أنتِ فاشلة ولن تنجحي أبدًا”، فانهارت نفسيتها ودخلت في اكتئاب شديد انتهى بمأساة. هكذا تكون الكلمة سهمًا قاتلًا حين تخرج بلا رحمة ولا وعي.
ولذلك، لا بد أن نُعيد النظر في لغتنا اليومية، في حديثنا مع أبنائنا وأزواجنا وزملائنا. فالكلمة الطيبة صدقة، والكلمة الجارحة خطيئة.
تعلم أن تقول خيرًا أو تصمت، فالصمت في بعض المواقف حكمة، والسكوت عن الأذى عبادة، أما إطلاق اللسان بلا ضابط فهو بداية الخراب النفسي والاجتماعي.
المصادر:
حوار مجلة الصحة والحياة مع:
د. سامي الجندي – استشاري الطب النفسي.
د. منى عبد العزيز – استشارية الطب النفسي بجامعة القاهرة.
د. عمرو شهاب – أخصائي العلاقات الأسرية.
الأحاديث النبوية من صحيح الترمذي والبخاري.
الآية من سورة ق، الآية 18.
