بقلم/ أسامة إبراهيم
هناك فارق بين عقلية العبيد وعقلية الأحرار؛ عقلية العبيد عقلية ايدلوجية رقمية متمترسة حول مصادر معرفتها؛ تماما، كالسمكة في الماء، لا تستطيع أن تعيش خارج إطارها البيئي..
ربما تكون هذه العقلية الايدلوجية نالت قسطا من التعليم، لكنها أبعد ما تكون عن الثقافة، والفارق بينهما كبير.
المتعلم هو من تعلّم أموراً لم تخرج عن نطاق الإطار الفكري الذي اعتاد عليه منذ صغره؛ فهو لم يزد من العلم إلا ما زاد في تعصبه و ضيق في مجال نظره.. هو فقط قد آمن برأي من الآراء أو مذهب من المذاهب؛ فأخذ يسعى وراء المعلومات التي تؤيده في رأيه و تحرضه على الكفاح في سبيله، ويبرر من أجلها كل شيئ. قناعاتُه أن الفقه والشريعة لا تخرج الا من أزهري، فتجده متمترسا حول ذلك، لم ولن يقبل أي رأي من آخر وكذلك الحال إن كان مشربه صوفي أو سلفي أو علماني…الخ
أما المثقف – فينظر بأفق واسع ويمتاز بمرونة رأيه و باستعداده لتلقي كل فكرة جديدة والتأمل فيها وتملي أوجه الصواب منها، بصرف النظر عن ميله وهواه، وبصرف النظر من أين أتت ويشعر بفرحة عارمة عندما يُلقي نور مصباح العلم شعاعة على عينيه فيرى الحقائق علي أصولها ويسعد ساعتها بأن أجرى الله الحق على لسان مخالفه..
المتعلم ينظر لنصرة مشربه والمثقف ينظر إلى مقاصد الشريعة، المتعلم يجعل الأحكام شرعية والمثقف يجعلها فقهية، المتعلم يملك المعلومة والمثقف يملك العلم، المتعلم يتعبد حول النص والمثقف يتعبد بمراد الله من خلقه وتحقيق العدالة والمصلحة من النص، المتعلم يعمد إلى ظاهر النص والمثقف يعمد إلى فكرة ومفهوم النص، المتعلم ينشغل بورود النص والمثقف يبحث في أسباب ورود النص، المتعلم يهتم بأثر الحكم على المتلقي والمثقف أكثر إحاطة بالأحوال النفسية والاجتماعية والتاريخية والزمانية للنص، المتعلم قبلته الشيخ جوجل والمثقف مَعينُه أمهات الكتب والمراجع الأصيلة، المتعلم يقدس الأشخاص والمثقف يقدس الفكرة، المتعلم عقلية ايدلوجية والمثقف عقلية براجماتية أو فلسفية.
لذلك، ورد عن الإمام علي كرم الله وجهه:- ” الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أولى بها”. ويقول مولانا جلال الدين الرومي:- “سأكون كالفرجار (البرجل)، أقف بإحدى قدميّ ثابتةً بأرض التوحيد والشريعة وأدور بقدمي الأخرى على (72) ثنتين وسبعين ملة، أشرب منها العذب الزلال”.
أين نحن من هذا الأفق الواسع الذي يحتوي العالم كله بالقلب والعقل، لقد بعدنا عن حقيقة ديننا بفعل عقول العبيد…
