بقلم السيد عيد
هكذا هي الحياة يا صديقي، مسرح واسع تتناثر عليه الأقنعة كما تتناثر قشور اللب تحت أقدام المتفرجين. وكل واحد فينا يمشي متأبطًا قناعًا يظن أنه محكم الإغلاق، فإذا بالمواقف تهزه هزة خفيفة فتتدحرج الأقنعة وتُكشف الملامح الحقيقية. وكأن الحياة تمتلك شهوة غريبة لفضحنا كلما حاولنا التجمّل.
في لحظة غضب بسيطة، قد تشعر أن قلبك يتحول إلى جهاز كشف معادن، يرنّ كلما اقتربت منه نوايا البشر. الغضب يخرّب ديكور العلاقات لكنه يترك لنا هدية صغيرة: معرفة من كانوا يحملون منشارًا خلف ظهورهم. يا لها من خدمة جليلة تقدمها لنا الانفعالات المجنونة، خدمة مجانية دون اشتراك شهري ودون إعلانات منبثقة.
ثم تأتي ردود الأفعال، تلك الرادارات العجيبة التي لا تعرف المجاملة. كلمة هنا، نظرة هناك، تنهيدة في غير وقتها… وفجأة تكتشف أن فلانًا كان يمثل دور “السند”، بينما هو في الحقيقة لا يعرف من السند سوى شركة الاتصالات. وفلانة تلك التي كانت ترش عليك عطر النصائح، تكتشف أنها كانت تحمل بخّاخًا آخر خلف ظهرها لا يُستخدم إلا عند اللزوم.
أما الغياب، فهو أستاذ جامعي في كشف العلاقات. يطلب منا اختبارًا واحدًا فقط: “من الذي يفتقدك؟”. وما أسهل هذا السؤال وما أقساه. ففي الغياب لا يكتب أحد تقريرًا مطولًا عن مشاعره، ولا يرفق ختمًا ولا توقيعًا، بل يظهر كل شيء بلا مؤثرات صوتية: من أحبك حقًا يُطل برأسه عليك حتى لو كان غارقًا في ألف مسؤولية، ومن كان وجودك بالنسبة له خلفية رمادية في شاشة حياته لن يلاحظ حتى خللك خارج الإطار.
العجيب أن كل مراحل الكشف هذه لا تحتاج منك ذكاءً خارقًا، بل تحتاج قلبًا لم يعد يقبل أن يتم ترقيعه
تحتاج عينًا تتعلم أن ترى، وأذنًا تفهم الصمت، وروحًا أصبحت تجيد فن “تصفية الزحام”.
ومع ذلك، لا أنصحك بقطع العلاقات فورًا، ولا برفع شعار “إلى الجحيم أيها البشر”. فقط ابتسم ابتسامة صغيرة، تلك التي يعرفها الحكماء والساخرون والذين تخرّجوا من جامعة “خبرة الحياة”، وقل في سرّك:
“شكرًا أيها القناع الساقط، لقد كنت ثقيلًا على الأرض.”
واستمر في طريقك، خفيفًا، كما لو أنك تحمل حقيبة أسرار بلا وزن، وتعرف جيدًا أين تضع قلبك حتى لا يُخدش بسهولة.
