بقلم: خديجة ربيع ” أسيرة القلم”
في ليلةٍ هادئة، جلستُ إلى جوار امرأةٍ عجوز تجاوزت السبعين، تحمل في ملامحها حكايا العمر، وفي عينيها بقايا نورٍ لا يشيخ. ولمّا ألقيتُ عليها التحية، أمسكت بيدي بلطفٍ بالغ، ثم رفعت بصرها نحوي وهمست بدعاءٍ اخترق قلبي قبل أن يبلغ سمعي: “رَبِّي يَنصُرُكِ عَلَى أَعْدَائِكِ.”
توقفت أنفاسي، وارتجفت يدي، وشعرتُ برقةٍ تهزّ أعماقي، وبدمعةٍ تتردد في عينيّ كأنها تبحث عن مخرجها. لم أقل لها شيئًا، ولم أشكُ يومًا أمامها، ومع ذلك بدا دعاؤها كأنه موجّه إلى أعمق نقطةٍ جُرحت داخلي.
سألتها بصوتٍ متفاجئٍ حائر: “كيف شعرتِ بي؟” ابتسمت ابتسامةً هادئة، وقالت بنبرةٍ يغلّفها نور الحكمة: “يا ابنتي… إن للآلام رائحةً يشمّها من عاش طويلًا، وللقلوب المظلومة نبضًا لا يختبئ. رأيتُ في عينيكِ وجعًا لا تصنعه الحياة بل يصنعه القريب حين يخذل.”
كانت كلماتها كأنها تُعيد لصوتي ما سكتّ عنه، وتكشف لألمي ما دار حوله بصمتٍ طويل، لم تكن تعلم شيئًا عن قصتي، ولم تعرف أن أقرب الناس كان أشدهم إيذاءً، ولكنها تحدثت وكأنها تُدرك ما انكسر داخلي.
تابعت العجوز قائلة: “أحيانًا يرسل الله لنا أشخاصًا لا نعرفهم، ليقولوا ما يعجز لساننا عن قوله. والنصر يا ابنتي ليس أن ينتصر الإنسان على غيره، بل أن ينتصر على وجعه، ويقوم بعد سقوطه، ويظل قريبًا من الله رغم ما فقد.”
ثم شدّت على يدي بقوةٍ تفوق جسدها الواهن: “ستنتصرين… لأن الله يرى، ومن يراه الله لا يُترك.”
غادرتُ وهي تتركني في داخلي نورًا صغيرًا، نور دعوةٍ صادقة جاءت دون طلب، وفي وقتٍ ظننتُ فيه أن السماء صامتة. وحين ابتعدت، همست لنفسي: ربما لم تكن تلك المرأة مجرد عابرة…
ربما كانت رسالة أرسلها الله حين ضا
ق الطريق.
