بقلم ا.د روحيه الشريف
أستاذ الروماتيزم والمناعة بكليه الطب جامعه المنيا وإستشارية الأمراض الروماتيزميه المناعية بمستشفي سلامات بالمملكه العربية السعودية
تُعد حمى البحر الأبيض المتوسط (FMF) من أشهر الأمراض الالتهابية الذاتية وأكثرها شيوعاً في مناطق حوض البحر الأبيض المتوسط. وهي ليست مجرد ارتفاع بسيط في درجة الحرارة، بل هي اضطراب وراثي يتسم بنوبات متكررة وقصيرة من الالتهاب الحاد.
أولا… أسبابها (الخلل الجيني هو الأصل)
السبب الرئيسي لمرض حمى البحر الأبيض المتوسط هو طفرة في جين MEFV (Mediterranean Fever).
1-الجين والبروتين:
يقع هذا الجين على الكروموسوم رقم 16، وهو المسؤول عن تصنيع بروتين يسمى البيرين (Pyrin).
وظيفة البيرين: يعمل بروتين البيرين كمنظم رئيسي لعملية الالتهاب في الجسم، حيث يساعد على إيقاف الاستجابة الالتهابية عند الضرورة.
2- حدوث المرض:
تؤدي الطفرة في جين MEFV إلى خلل في بروتين البيرين، مما يجعله غير قادر على القيام بوظيفته بشكل صحيح. ونتيجة لذلك، تنطلق استجابة التهابية مفرطة وغير منضبطة، مؤدية إلى نوبات من الحمى والالتهاب في الأغشية المبطنة للتجاويف الداخلية للجسم.
3- طبيعة الوراثة:
ينتقل المرض عادةً بصفة وراثية متنحية، أي أن الطفل يحتاج إلى وراثة نسخة متحورة من الجين من كلا الوالدين ليُصاب بالمرض (حتى لو لم يكن الأبوان مصابين، فقد يكونان حاملين للجين).
ثانيا…أعراضها التي تجعل المريض يتوجه لعيادة الروماتيزم:
تتميز الأعراض بأنها تحدث على شكل نوبات (هجمات) مفاجئة وقصيرة، تستمر غالباً من 12 ساعة إلى 3 أيام، ويتعافى المريض بعدها تماماً ويعود إلى حالته الطبيعية حتى النوبة التالية. الأعراض الأكثر شيوعاً التي تدفع المريض للبحث عن طبيب روماتيزم تشمل:
1- الحمى المتكررة:
ارتفاع مفاجئ وشديد في درجة الحرارة (قد يصل إلى ٤٠)…وهو العرض الأساسي.
2- ألم البطن الحاد:
وهو العرض الأكثر شيوعاً، وغالباً ما يكون شديداً لدرجة قد يُشتبه معها بوجود التهاب في الزائدة الدودية أو حالة جراحية طارئة.
3- آلام والتهاب المفاصل (التهاب المفاصل):
تورم وألم شديد في مفصل واحد أو عدد قليل من المفاصل الكبيرة مثل الركبة، أو الكاحل، أو الورك. هذا الالتهاب عادة ما يزول تلقائياً دون ترك ضرر دائم، ولكنه يشكل سبباً رئيسياً لزيارة طبيب الروماتيزم.
4- آلام الصدر:
ألم حاد في الصدر يزداد مع التنفس العميق أو السعال، نتيجة لالتهاب الغشاء المحيط بالرئة أو الغشاء المحيط بالقلب.
5- طفح جلدي:
يظهر في بعض الحالات، خاصة على الساقين وتحت الركبتين (طفح جلدي أحمر يشبه الحمرة).
ثالثا…طرق الوقاية :
(الالتزام بالعلاج هو حجر الزاوية).
نظراً لأن المرض وراثي جيني، لا توجد طريقة للوقاية من الإصابة به. لكن تكمن الوقاية في منع حدوث النوبات ومنع المضاعفات، وذلك يكون بالالتزام الصارم بما يلي:
1-العمود الفقري للوقاية هو: الكولشيسين (Colchicine): هو الدواء الرئيسي والأساسي. تناوله اليومي والمستمر بالجرعة الموصوفة من قبل الطبيب هو أفضل طريقة:
1-1– للوقاية من النوبات: يقلل بشكل كبير من تكرار وشدة النوبات.
1-2-للوقاية من المضاعفات: الأهم هو الوقاية من الداء النشواني (Amyloidosis)، وهو المضاعفة الأخطر، حيث تتراكم بروتينات الأميلويد الضارة في الأعضاء الحيوية، وأهمها الكلى، مما قد يؤدي إلى الفشل الكلوي.
2- تجنب المهيجات:
قد تساهم بعض العوامل في تحفيز النوبات، مثل: الضغط النفسي، والإجهاد البدني الشديد، والإصابات، وبعض أنواع العدوى.
3-الفحص الدوري:
المتابعة المنتظمة مع طبيب الروماتيزم وإجراء فحوصات الدم والبول الدورية (خاصة لمراقبة البروتينات الالتهابية وعلامات الداء النشواني).
رابعا…. العلاج
الكولشيسين يبقى هو العلاج الرئيسي والأكثر فعالية (يستجيب له حوالي 90% من المرضى).
في الحالات التي لا يستجيب فيها المريض بشكل كافٍ للكولشيسين أو لا يتحمله (وهي حالات نادرة)، يتم اللجوء إلى العلاجات البيولوجية (Biologic Drugs) التي تستهدف تثبيط مسارات الالتهاب بشكل أكثر تحديداً:
1- مضادات الإنترلوكين-1 (IL-1 Blockers):
وهي من أحدث وأهم خطوط العلاج البديلة. تعمل هذه الأدوية (مثل الأناكينرا (Anakinra) و الكانيكينوماب (Canakinumab)) على حجب عمل بروتين الإنترلوكين-1، وهو وسيط التهابي رئيسي يُفرز بكميات كبيرة بسبب الخلل في بروتين البيرين.
2- العلاجات الأخرى: قد تُستخدم أحياناً أدوية أخرى مثل مثبطات عامل نخر الورم (Anti-TNF) في بعض أنواع التهاب المفاصل المرتبطة بالمرض.
اخيرا.
حمى البحر الأبيض المتوسط مرض يمكن السيطرة عليه بالكامل.
على الرغم من أنها حالة مزمنة وراثية، إلا أن التشخيص المبكر والالتزام اليومي والدائم بتناول دواء الكولشيسين يمكن أن يضمن للمريض حياة طبيعية خالية من النوبات تقريباً.
الوقاية من المضاعفات الخطيرة، وعلى رأسها الداء النشواني والفشل الكلوي.
بفضل التطور في العلاج، يعيش معظم مرضى حمى البحر الأبيض المتوسط حياة طبيعية تماماً، ويجب التأكيد على أن هذا المرض لم يعد سبباً للقلق إذا تم علاجه بالشكل الصحيح والمنتظم.
