بقلم : أحمد رشدى
تمضي أبوظبي هذه الأيام في نسق احتفالي مهيب، يتّسع نبضه ليشمل مختلف ربوع الإمارة، بينما يقترب موعد عيد الاتحاد في ذكراه الرابعة والخمسين.
وفي كل ركن من أركان العاصمة وروافدها الثقافية، تتجلّى لوحة حيّة من الفعاليات التي تستحضر جذور الهوية وتستعيد مسيرة الدولة منذ شروقها الأول، لتمنح الزوّار والمقيمين فسحة عامرة بالبهجة والفخر والانتماء.
ومن الثالث من ديسمبر، يفتح متحف زايد الوطني أبوابه لزوّاره، فيأخذهم عبر ممرات الزمن إلى سيرة الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، كاشفاً ملامح رؤيته الحكيمة وقيمه الراسخة التي قامت عليها نهضة الإمارات، في تجربة معرفية تلامس القلب قبل العقل.
وفي مكتبة أبوظبي للأطفال، يضيء أسبوع كامل من الفعاليات فضاءات الإبداع الطفولي، حيث تجتمع الورش الثنائية اللغة مع جلسات الحكايات الشعبية «خراريف أول»، وتنهمر الأضواء الاحتفالية على المسرح الخارجي للمجمّع الثقافي، في عرض يومي يقدّم ملامح كل إمارة من إمارات الوطن، لتغدو المكتبة ملتقى صغيراً يجمع عبق الماضي بنشوة الاحتفال.
أما القرية التراثية فتنقلب إلى مشهد حيّ من التاريخ الإماراتي، تنبض فيه الحرف التقليدية من التلي والسدو والخوص، وتتردّد أصوات العيّالة في فضائها الرحب، بينما يتجوّل الزوّار بين رواد الأعمال الإماراتيين في سوق شعبي زاخر بالمصنوعات والمنتجات المحلية،
وتنتشر الأنشطة العائلية التي تمنح المكان حرارة إنسانية خاصة.
وفي العين، يستضيف بيت محمد بن خليفة احتفالات تمتد على يومين كاملين، تتناغم خلالها الفنون الشعبية مع العروض التراثية وتتصاعد الروائح الذكية بالمأكولات المحلية، ويجيء موكب الخيل بالتعاون مع شرطة أبوظبي ليضيف إلى المشهد نفحة أصيلة تعكس عمق التراث وروعة الانتماء.
ويشهد متحف المقطع بعد غد عرضاً لرقصات الرزفة في ساحته الخارجية، في مشهد يختصر روح الأصالة ويعيد إلى الذاكرة ملامح الفخر الإماراتي.
وفي منارة السعديات يتواصل برنامج حافل بالأنشطة المستوحاة من أجواء المسيرات الوطنية على امتداد ثلاثة أيام، ليمنح زوّاره فسحة من البهاء الوطني المتألق.
ولا تغيب الفنون البصرية عن احتفالات العاصمة، إذ يواصل معرض «منار أبوظبي» حضوره حتى الرابع من يناير 2026، مقدماً أعمالاً فنية متفرّدة ومنحوتات مضيئة وتجارب تفاعلية تمتد بين جزيرة الجبيل وسوق الميناء ومساري واحات القطارة والجيمي في العين، ليتيح للزوّار رؤية جديدة لجماليات الجزر والواحات وأشجار القرم من منظور إبداعي آسر.
وهكذا تمضي أبوظبي في احتفاليتها الكبرى، تجمع بين أصالة الحكاية وحداثة الرؤية، لتقدّم عيداً لا يُحتفى فيه بالذكرى فحسب، بل يُحتفى فيه بروح وطن واثق، يمضي بثبات نحو مستقبل مجيد.
