نجده محمد رضا
ليست السجائر مجرد لفافة تبغ تُشعل لتنطفئ، بل مشهد يوميّ يُمارَس بشغفٍ غريب، كأنها لحظة خلاصٍ مؤقتة من ضجيج الحياة.
يدخن البعض ليهرب من فكرةٍ تُرهقه، وآخرون ليبحثوا عن لحظة سكون وسط فوضى لا تهدأ.
تحولت السيجارة في نظر كثيرين إلى أنيسة الوحدة ورفيقة الهم، تُشعل لتُطفئ الوجع، وتُطفأ لتُشعل التعود.
رغم آلاف التحذيرات التي تملأ العلب والشاشات، ما زالت السجائر تملك سحرها الخاص، لا بقيمتها، بل بالوهم الذي تغرسه في صدور المدخنين.
فوائد التدخين كما يراها المدخنون
يقول بعضهم إن التدخين يُهدئ الأعصاب ويمنحهم صفاءً ذهنياً مؤقتاً، وكأن الدخان يحمل في طيّاته راحة نفسية خفية.
آخرون يرونه وسيلة لتبديل المزاج، وكسر رتابة الأيام، والهروب من ثقل الواقع.
وفي زمنٍ يفيض بالضجيج، تصبح السيجارة مساحة صمتٍ أنيقة، لحظة تأملٍ قصيرة يُخمدها الرماد.
ومن المدهش أن البعض يؤمن أن التدخين يُقلل من ظهور حبوب الوجه، بحجة أنه “يجفف البشرة ويُنقّيها”.
لكن الحقيقة المخبأة تحت هذا الادعاء أن السيجارة لا تُطهّر الجلد، بل تُميت نضارته.
فهي تُقلل تدفق الدم إلى البشرة، وتجعلها باهتة، فتبدو الحبوب أقل ظهوراً، لا لأنها زالت، بل لأن الحياة انسحبت من ملامح الوجه.
وفي لحظة الغضب، في حوارٍ صامت مع الذات، يجد المدخن في سيجارته رفيقاً لا يجادل، وناراً يظنها دفئاً.
لكن كل ما يُظن راحةً مؤقتة، هو في الحقيقة قيد طويل الأمد.
الحقيقة التي يخفيها الدخان
التدخين لا يهدئ الأعصاب كما يظن الناس، بل يُربكها.
النيكوتين لا يُنقّي الذهن، بل يرهقه في مقاومة سمٍّ متخفٍ في هيئة صديق.
وما يبدو صفاءً مؤقتاً ما هو إلا اضطرابٌ متقن التنكر في ثوب راحة.
تؤكد منظمة الصحة العالمية أن التدخين يتسبب في وفاة أكثر من ثمانية ملايين شخص سنوياً، من بينهم أكثر من مليون لم يدخنوا يوماً، لكنهم استنشقوا دخان غيرهم.
ومن أضراره التي لا يختلف عليها اثنان:
تدمير الرئتين، وتصلب الشرايين، وضعف القلب، وهلاك المناعة، وتسريع الشيخوخة حتى تُصبح الملامح أقدم من أعمار أصحابها.
السجائر لا تُنقذ من التوتر، بل تزرعه في الأعصاب كما تُزرع النار في الهشيم.
ولا تمنح التوازن، بل تسلبه ببطءٍ ودون ضجيج.
هي راحةٌ كاذبة، تشبه ابتسامة الموت قبل اللقطة الأخيرة.
كل سيجارة تُشعلها لتبدأ بها هدوءك، هي في الحقيقة تُشعل نهايتك.
فما من راحةٍ تُولد من نار، ولا من وهمٍ يُلفّ بدخان.
