رحيل صنع الله إبراهيم


مريم أحمد

 

في صباح الأربعاء، 13 أغسطس 2025، غاب عن عالمنا الأديب المصري الكبير صنع الله إبراهيم، أحد أبرز الأصوات الروائية في مصر والعالم العربي، تاركًا وراءه إرثًا أدبيًا وفكريًا سيظل حاضرًا في وجدان القراء لعقود قادمة. رحيله لا يمثل خسارة للأدب فحسب، بل خسارة لضمير حر لم يتنازل يومًا عن مواقفه.

وُلد صنع الله إبراهيم في القاهرة عام 1937، ونشأ في بيئة مصرية شعبية شكّلت وعيه الأول، قبل أن ينخرط في الحركة اليسارية مبكرًا، مؤمنًا بقيم العدالة الاجتماعية والتحرر. كان اسمه الفريد نتاج صلاة استخارة أجراها والده، وكأن القدر اختاره ليكون علامة فارقة في المشهد الثقافي.

انحيازه للفكر اليساري جعله عرضة للاعتقال في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، حيث قضى خمس سنوات في السجن بين 1959 و1964. هذه التجربة القاسية تركت بصمة عميقة على أعماله، فامتزجت رواياته بروح التوثيق والواقعية النقدية.

مسيرة مهنية وإنجازات أدبية

عمل صنع الله إبراهيم في الصحافة، متنقلاً بين القاهرة وبرلين الشرقية، ثم انتقل إلى موسكو لدراسة السينما والتصوير. لكن الرواية كانت ميدانه الأوسع، حيث أصدر ما يقرب من 16 رواية وعددًا من المجموعات القصصية، من أبرزها:

اللجنة

بيروت بيروت

ذات (التي تحولت لمسلسل شهير)

شرف

وردة

نجمة أغسطس

برلين 69

امتازت كتاباته بالدقة التوثيقية، والنقد الاجتماعي والسياسي، وجرأة الطرح، ما جعلها مرآة للواقع العربي بكل تناقضاته.

في عام 2003، رفض صنع الله إبراهيم استلام جائزة ملتقى القاهرة للرواية، في موقف أثار جدلًا واسعًا، مؤكدًا رفضه لما اعتبره هيمنة سياسية وثقافية. ورغم ذلك، حظي بتقدير واسع، فنال جائزة ابن رشد للفكر الحر عام 2004، وجائزة كفافيس للأدب عام 2017.

برحيل صنع الله إبراهيم، فقدت الثقافة العربية أديبًا صادقًا في التزامه الإبداعي والفكري، وضميرًا لم يساوم على قضاياه. ستظل أعماله شاهدًا على زمنه، ودعوة دائمة للتفكير الحر، ومصدر إلهام للأجيال القادمة.

إنا لله وإنا إليه راجعون. نتقدم جريدة حديث وطن بخالص العزاء لأسرته وقرائه ومحبيه، ونسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته. سيبقى صنع الله إبراهيم حاضرًا في صفحات الأدب العربي، رمزًا للمثقف الحر الذي جعل من الكلمة سلاحًا في وجه الصمت والخضوع.

 

  • Related Posts

    شجرة السم

    الشاعر الإنجليزي ويليام بليك – ترجمة: د. إيمان بشير ابوكبدة  غضبت من صديقي أخبرته عن غضبي، وانتهى غضبي غضبت من عدوي لم أخبره، فكبر غضبي سقيته بالخوف ليلًا ونهارًا بدموعي…

    في رحيلك يا إسلام

    سامح بسيوني في رحيلك يا إسلام انكوي الفؤاد، وبكت الأعين فمتلأت البحار، وانكسر الجناح وتجددت الأحزان وانطفأ النور وحل الظلام، وبات العصفور في عشه حزينًا على الفراق والصغار في حارتنا…

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *