
كتبت: د. إيمان بشير ابوكبدة
تعتبر منطقة البحر الأبيض المتوسط مهدًا لحضارات عريقة وثقافات متنوعة، وتتميز بخصائص جغرافية ومناخية فريدة. ومع ذلك، فإن سكان هذه المنطقة ليسوا بمنأى عن التحديات الصحية التي تؤثر على جودة حياتهم. تتأثر الأمراض المنتشرة في حوض البحر الأبيض المتوسط بمجموعة من العوامل، بما في ذلك الوراثة، والبيئة، والعادات الغذائية، والأنماط المعيشية.
يمكن تقسيم الأمراض الشائعة في هذه المنطقة إلى فئات رئيسية:
الأمراض الوراثية
تعتبر بعض الأمراض الوراثية أكثر انتشارًا في حوض البحر الأبيض المتوسط نظرًا للتركيبة الجينية للسكان والعوامل التاريخية التي أدت إلى انتشار جينات معينة. من أبرز هذه الأمراض:
حمى البحر الأبيض المتوسط العائلية: وهو اضطراب وراثي ذاتي الالتهاب، يسبب نوبات متكررة من الحمى، وآلام شديدة في البطن والصدر والمفاصل. يحدث هذا المرض نتيجة طفرة في جين MEFV، الذي يلعب دورًا في تنظيم الاستجابة المناعية. يعتبر الداء النشواني من المضاعفات الخطيرة لحمى البحر الأبيض المتوسط العائلية، حيث يؤدي تراكم بروتين الأميلويد A إلى تلف الأعضاء، خاصة الكلى، مما قد يؤدي إلى الفشل الكلوي.
الثلاسيميا: المعروفة أيضًا باسم “أنيميا البحر الأبيض المتوسط”، وهي اضطرابات وراثية في الدم تؤثر على إنتاج الهيموجلوبين في كريات الدم الحمراء. تنتشر الثلاسيميا بنوعيها ألفا وبيتا بشكل كبير في المنطقة، وتتراوح شدتها من فقر دم خفيف إلى حالات حادة تتطلب نقل دم منتظم.
الأمراض المزمنة غير المعدية
على الرغم من أن النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط يُعرف بفوائده الصحية العديدة في الوقاية من الأمراض المزمنة، إلا أن هذه الأمراض لا تزال تشكل عبئًا صحيًا كبيرًا في المنطقة، خاصة مع تغير الأنماط المعيشية. تشمل هذه الأمراض:
أمراض القلب والأوعية الدموية: مثل أمراض الشريان التاجي، وارتفاع ضغط الدم، والسكتات الدماغية.
السرطان: أظهرت دراسات أن النظام الغذائي المتوسطي يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بأنواع معينة من السرطان مثل سرطان البروستاتا وعنق الرحم والقولون والمستقيم. ومع ذلك، لا تزال هذه الأمراض منتشرة وتتأثر بعوامل أخرى مثل التدخين والسمنة.
السكري من النوع الثاني: يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالسمنة ونمط الحياة غير الصحي.
أمراض الجهاز التنفسي المزمنة: مثل الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن.
السمنة: تُعد السمنة عامل خطر رئيسي للعديد من الأمراض المزمنة المذكورة أعلاه.
الأمراض المعدية
لا تزال الأمراض المعدية تشكل تحديًا في بعض أجزاء منطقة البحر الأبيض المتوسط، خاصة في الدول ذات الموارد المحدودة أو التي تواجه تحديات صحية عامة. من الأمراض المعدية التي قد تظهر في المنطقة:
التهاب الكبد الفيروسي: خاصة التهاب الكبد أ و ب و سي، وتختلف معدلات الإصابة بها بين دول الشمال والجنوب المتوسطي.
السل: لا يزال السل يشكل مشكلة صحية في بعض المناطق، مع ارتفاع معدلات الإصابة في جنوب المتوسط.
البلهارسيا: وهي مرض طفيلي كان متوطنًا في مناطق معينة، خاصة في مصر، وقد انخفض انتشاره بشكل كبير ولكن لا يزال يتطلب مراقبة.
الحمى المالطية: مرض بكتيري ينتقل عادةً من الحيوانات المصابة إلى البشر.
تأثير النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط
من الجدير بالذكر أن النظام الغذائي المتوسطي، الغني بالفواكه والخضروات وزيت الزيتون البكر والمكسرات والبقوليات والأسماك، والمعتدل في استهلاك الدواجن ومنتجات الألبان، والقليل في استهلاك اللحوم الحمراء، يعتبر عاملًا وقائيًا قويًا ضد العديد من الأمراض المزمنة. يساعد هذا النظام الغذائي في تقليل الالتهاب، وتحسين صحة القلب، والمساهمة في إدارة الوزن، مما يعكس تأثيرًا إيجابيًا على الصحة العامة للسكان الملتزمين به.