
مريم أحمد
في وقتٍ كانت فيه مصر تحتكر تجارة العالم وتتحكم فيها بلا منافس، حاول البرتغاليون إيجاد طريق جديد يُمكّنهم من الوصول إلى الهند بعيدًا عن جمارك وضرائب المماليك المرتفعة.
بدأت المحاولات عام 1482م حين قام الملاح ديوغو كاو برحلة لاستكشاف السواحل الأفريقية، لكنها لم تكتمل. وبعده بسنوات، وصل بارتولوميو دياز عام 1487م إلى أقصى جنوب أفريقيا، لكنه لم ينجح في استكمال الرحلة. إلا أن إصرار البرتغاليين لم يتوقف، فجاء الملاح فاسكو دي غاما ليحقق الحلم الكبير.
في يوليو 1497م خرج دي غاما من الموانئ البرتغالية ومعه أربع سفن و180 بحارًا، وبمساعدة الملاح العربي العُماني أحمد بن ماجد، تمكن من الإبحار حول أفريقيا والوصول إلى الهند في 27 مايو 1498م، أي بعد عشرة أشهر فقط. أطلق الملك جون الثاني على الطريق أولًا اسم رأس العواصف، ثم غيّره إلى رأس الرجاء الصالح لأنه فتح الأمل أمام البرتغال وأوروبا للسيطرة على التجارة العالمية.
لكن بالنسبة لمصر المملوكية، كان هذا الطريق بداية النهاية؛ إذ فقدت مصر أهم مواردها الاقتصادية بعد أن تحولت التجارة إلى الطريق الجديد، فضعفت الدولة اقتصاديًا وسياسيًا. حاول المماليك استعادة مكانتهم عبر الدخول في معارك بحرية مع البرتغاليين، ومن أبرزها معركة ديو البحرية عام 1509م، حيث واجهت قوات السلطان قنصوه الغوري الأسطول البرتغالي بقيادة فرانسيسكو دي ألميدا بالقرب من الهند.
اشترك في المعركة حلفاء المماليك مثل سلطنة دكن وجدة وعدن، لكن التفوق كان لصالح البرتغاليين الذين امتلكوا مدافع متطورة وأساليب قتال حديثة، بينما اعتمد المماليك على أسلحة بدائية. انتهت المعركة بهزيمة قاسية للمماليك وتدمير معظم أسطولهم، وهو ما أفقدهم السيطرة على طرق التجارة البحرية.
وبعد سبع سنوات فقط، جاء العثمانيون وهزموا المماليك في مرج دابق والريدانية، فسقطت دولتهم نهائيًا عام 1517م. وهكذا كان طريق رأس الرجاء الصالح أحد الأسباب المباشرة لسقوط المماليك وضياع مركز مصر التجاري العالمي.