الحمد لله الذي بلغنا رمضان

د. حمدان محمد
الحمد لله حمدًا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، الحمد لله الذي أكرمنا وبلغنا شهر رمضان، شهر الخير والبركة والمغفرة والعتق من النيران، وجعل فيه من النفحات والرحمات ما تسمو به الأرواح وتصفو به القلوب.
فإن بلوغ رمضان نعمة عظيمة تستوجب الشكر، فقد يكون المرء بين أهله وأحبته في العام الماضي، لكنه اليوم في دار الآخرة، ونحن لا نزال أحياءً، منحنا الله فرصة أخرى لنغتنم هذا الموسم المبارك، ونجدد العهد معه بالطاعة والعبادة.
فلماذا نحمد الله على بلوغ رمضان؟
لأن رمضان موسم مضاعفة الحسنات، ورفع الدرجات، وتكفير السيئات، ففيه تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين، وهو شهر ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. يقول النبي ﷺ: “إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ، فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصفدت الشَّيَاطِينُ” (متفق عليه).
كما أن الصيام نفسه عبادة جليلة، تكسب العبد التقوى، إذ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]. والتقوى هي ثمرة الصيام الكبرى، وهي وصية الله للأولين والآخرين.
فالشكر الحقيقي على هذه النعمة العظيمة لا يكون بالكلام فقط، بل بالعمل الصالح، فنحافظ على الصلاة، ونتلو القرآن، ونكثر من الذكر والدعاء، ونحرص على قيام الليل، ونتصدق على الفقراء والمحتاجين، ونبرّ والدينا ونصل أرحامنا.
لكن أعظم ما يُشكر به الله على بلوغ رمضان هو التوبة الصادقة،
فكيف نستقبل رمضان ونحن مثقلون بالذنوب والمعاصي؟!
وكيف نرجو المغفرة دون أن نطرق باب التوبة ونعود إلى الله بقلوب منكسرة خاشعة؟!
التوبة.. أول خطوة لاستقبال رمضان
رمضان ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو فرصة لتطهير القلوب من الذنوب، وتصحيح النوايا، ومراجعة النفس، وهو موسم رحمة يتوب الله فيه على عباده، ويفتح لهم أبواب العودة.
يقول الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]. فالتوبة باب الفلاح، ومن دخل رمضان بقلبٍ تائب، وعزمٍ صادق على الطاعة، نال من رحمات الله وبركاته.
والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنوب، والندم على ما مضى، والعزم على عدم العودة إليها، وردّ الحقوق إلى أصحابها إن وُجدت، ثم الإقبال على الطاعات.
فلنبدأ رمضان بقلبٍ نقي، وعزيمةٍ قوية، ونيةٍ صادقة، ولنرفع أكفّ الضراعة إلى الله قائلين: “اللهم لك الحمد أن بلغتنا رمضان، فاجعلنا فيه من المقبولين، ومن عتقائك من النار، ووفقنا لصيامه وقيامه على الوجه الذي يرضيك عنا، وتقبل توبتنا يا أرحم الراحمين.”