موائد الرحمن بين الماضي والحاضر

كتبت /نجده محمد رضا
كانت موائد الرحمن تتركز قديما بجوار المساجد العريقة، مثل مسجد الحسين والسيدة زينب والأزهر وذلك لتوافر أعداد كبيرة من التجار في هذه المناطق لكن مع مرور السنوات بدأت بعض الهيئات في مصر في توفير موائد الرحمن، مثل وزارة الأوقاف والجمعيات الخيرية والأهلية، كما تشرف وزارة الصحة على مراقبة ما يقدم فى هذه الموائد من أطعمة …
يعود تاريخ موائد الرحمن في مصر إلى عهد أحمد بن طولون حيث يعتبر أول من أقامها، وكان يقوم بجمع كبار التجار والأعيان في مصر في أول يوم من شهر رمضان على الإفطار، ثم يلقي عليهم خطبة يذكر لهم فيها، أن الغرض من المائدة هو أن يذكرهم بالإحسان والبر بالفقراء والمساكين.
أمر بن طولون أن تظل هذه المائدة موجودة طوال شهر رمضان، كما طلب من التجار وكبار الأعيان أن يفتحوا منازلهم، ويمدوا موائدهم للمحتاجين، وفي عهد الفاطميين أطلق على موائد الرحمن “سماط الخليفة” حيث كان العاملون في قصر الخليفة يقومون بتوفير مخزون كبير من الطعام، ليكون كافيا لأكبر عدد ممكن من المصريين.
موائد الرحمن أصبحت عادة مصرية، حيث تهدف إلى أن يتوفر للفقراء والمساكين كل أنواع الطعام والمشروبات التي لا تتوافر لهم طوال أيام السنة،
ولذلك يحرص القائمون على تنظيم موائد الرحمن على توفير كل العناصر الغذائية من اللحوم والمشروبات والحلويات.
أصبحت موائد الرحمن تمثل ظاهرة راقية حيث تجمع طبقات مختلفة من المجتمع في نفس المكان،
لتعطي مثالا ونموذجا للتآزر والتآخي والمساواة
الكثير من الأقباط يعملون على توفير موائد الرحمن في شهر رمضان للمسلمين، وهو ما يمثل حالة السلام والترابط بين المجتمع، ويزيد من الترابط والقوة والشراكة والمحبة
أصبحت موائد الرحمن سباقا للخير في المجتمع ومظلة للفقراء والمحتاجين
«لا أحد يجوع في شهر رمضان».. شعار ترفعه بشكل ضمني موائد الرحمن التي تتنوع أشكالها في العاصمة القاهرة ومعظم أقاليم مصر، وتشكل نوعا من سباق الخير الرمضاني في المجتمع، فهناك موائد الرحمن الكبيرة، التي تقام غالبا في باحات المساجد الكبرى، وتسع المئات من الناس، وهناك موائد رحمن بسيطة تسع العشرات، وهذه تقام أمام المحلات والمقاهي الشعبية في الشوارع والنواصي.
ورغم تنوع الطعام بحسب الأحياء التي تقام فيها موائد الرحمن، والأشخاص الذين ينفقون عليها، فإنها في مجملها تقدم وجبة إفطار شهية وكافية لروادها من الفقراء والمحتاجين وعابري السبيل، كما يسود موائد الرحمن جو رمضاني حميم، يشكل مناخا طيبا لاكتساب المودة والمحبة من أناس قد لا تعرفهم، لكنك تستأنس بهم، وتسعد بمجاورتهم على مائدة الرحمن، على مدار الشهر الكريم.
ومن أرقى الأحياء إلى أشدها فقرا تستطيع أن تجد موائد الرحمن وقد تزينت مداخلها بالزينة الرمضانية البسيطة، وانتشرت بداخلها المقاعد المتعددة والطاولات الطويلة التي أصبحت سمة من سمات تلك الموائد، وعلى تلك الطاولات تجد كثيرا من الفقراء والمحتاجين وقد جلسوا في انتظار مدفع الإفطار كإشارة خضراء على انتهاء فترة الصيام، التي امتدت طويلا خلال ساعات النهار.
«الأصل في موائد الرحمن هو محاولة بعض القادرين التزكية عن أموالهم وفعل الخيرات في الشهر الكريم. ومن هذا المنطلق تقام كثير من موائد الرحمن طيلة أيام الشهر لاستقبال أعداد كبيرة من ضيوف الرحمن عليها».