كتب السيد عيد
عندما تذكر المنصورة، فأنت لا تتحدث عن مجرد مدينة في قلب الدلتا، بل عن لوحة متكاملة من التاريخ والجغرافيا والناس. مدينة وُلدت على ضفاف النيل، وارتبط اسمها بالانتصار والبطولة، حتى سُمّيت “المنصورة” بعد أن هزمت الحملة الصليبية وأُسر ملك فرنسا لويس التاسع بين شوارعها الضيقة وبيوتها العامرة. ومنذ ذلك اليوم، صار اسمها شاهدًا على العزة، ورمزًا للصمود.
مدينة النيل والقلوب الرحبة
يمر النيل من قلب المنصورة كخيط نور يربط الماضي بالحاضر. على كورنيشه الممتد ترى الأطفال يركضون بفرح، والعشاق يتأملون الغروب، وكبار السن يجلسون يستعيدون ذكرياتهم في صمت مطمئن. مياه النيل هنا ليست مجرد مجرى مائي، بل هي شريان حياة يروي الأرض والروح معًا.
جامعة تُضيء الدلتا
ولا يمكن أن نذكر المنصورة دون أن نذكر جامعتها العريقة؛ جامعة المنصورة، التي أصبحت منارة علمية في الطب والهندسة والعلوم. آلاف الطلاب يأتون إليها من كل مكان، ليجدوا فيها بيتًا ثانيًا، وليصنعوا أحلامًا كبيرة. مباني الجامعة وأروقتها ليست فقط قاعات دراسة، بل منصات لإطلاق العقول إلى آفاق أوسع.
قلب تجاري نابض
في شوارعها وأسواقها، تنبض الحياة بتفاصيلها اليومية. من “الشارع التجاري” و”المشاية السفلية”، إلى المقاهي القديمة التي احتضنت حكايات جيل وراء جيل. رائحة الفول والطعمية في الصباح تختلط بصوت الباعة، والابتسامة التي لا تفارق وجوه الناس تذكرك أن هذه المدينة مهما ازدحمت، تظل دافئة.
تاريخ حي
بين أزقتها، ما زال قصر “الثقافة” والمباني التراثية تحكي حكايات قديمة. هنا عاش الأدباء، وهنا كُتبت سطور من الفن والشعر. وهنا أيضًا انطلقت مواكب الفرح الشعبي، وارتفعت أصوات الطبول في ليالي رمضان والأعياد. المنصورة ليست مجرد تاريخ محفوظ في كتب، بل تاريخ حي يسير على الأقدام ويبتسم في وجوه العابرين.
المنصورة وأهلها
أما الناس، فهم الحكاية الأجمل. أهل المنصورة معروفون بالكرم والجدعنة والطيبة. تجدهم يفتحون بيوتهم للغريب كما لو كان واحدًا منهم. يفرحون مع الفرحان، ويواسون الحزين، ويقفون صفًا واحدًا في وقت الشدة.
مدينة تعيش فيك
قد تزور المنصورة يومًا وتغادرها، لكنك لن تستطيع أن تغادرها من داخلك. ستظل تفاصيلها في ذاكرتك: رائحة النيل، زحام الشوارع، ضحكات الشباب على الكورنيش، أصوات الباعة، وجوه الناس البسيطة. المنصورة مدينة لا تتركك، لأنها ببساطة مدينة صنعت لتعيش في القلب.