د. إيمان بشير ابوكبدة
تواصل إسرائيل منذ أكثر من عشرين عاماً إحاطة حدودها بسلسلة من الجدران والحواجز الممتدة مع الضفة الغربية ولبنان ومصر والأردن، تحت شعار “منع التسلل” و“تعزيز الأمن”. ورغم هذا الخطاب، تكشف التجربة أن هذه الجدران لم تمنع الاختراقات، بل عمّقت عزلة إسرائيل وأثارت جدلاً داخلياً واسعاً حول جدواها.
أبرز هذه التحصينات جدار الضفة الغربية، الذي ورغم تعقيده التقني ظل قابلًا للالتفاف والاختراق. الأمر نفسه ينطبق على السياج المحيط بغزة، الذي انهار سريعاً خلال عملية “طوفان الأقصى” عام 2023. وعلى الحدود اللبنانية، لم تمنع الجدران الخرسانية العالية حادثة مجيدو، حيث تمكن شخص واحد عام 2023 من تجاوز الحاجز وتنفيذ تفجير بحسب الرواية الإسرائيلية.
وفي الجنوب، أقامت إسرائيل سياجاً مع مصر للحد من التهريب والهجرة، بينما تستعد لبناء أطول عائق حدودي مع الأردن بطول 400 كيلومتر، يجمع بين الجدار والرقابة الإلكترونية، بذريعة مواجهة تهريب قالت إنه “مدعوم من إيران”.
داخل إسرائيل، يدور نقاش مستمر حول “متلازمة السياج”، أي الاعتماد المفرط على الجدران كحل أمني شامل. دراسة عسكرية عام 2019 حذرت من أن الجدران تحوّلت إلى حاجز فكري يقيّد التفكير العملياتي ويُنتج شعوراً زائفاً بالأمان، على غرار خطوط ماجينو وبار-ليف التي انهارت رغم ضخامتها.
المجتمعات الإسرائيلية القريبة من الحدود أصبحت أكثر حساسية أمنياً، فيما يرى اليمين أن الجدران قد تعيق الحركة العسكرية، ويخشى اليسار من تحولها إلى حدود دائمة تُقنن واقع الانفصال.
ورغم استمرار البناء، تؤكد التجارب أن الجدران ليست ضمانة حقيقية، بل خطوة تُعمّق الانغلاق والخوف، وتُبعد إسرائيل أكثر عن حلّ جذري للصراع الذي تحيطه اليوم بخرسانة وفولاذ لا يمنعان الانكشاف ولا ينهيا العزلة.
