بقلم: أحمد رشدي
برحيل دارمندرا ديول تنطفئ واحدة من أكثر الشموس توهجاً في سماء السينما الهندية،
ذلك النجم الذي استطاع منذ ستينيات القرن الماضي أن يخطّ لنفسه مساراً فريداً جمع بين جاذبية الشكل وقوة الأداء ودفء الحضور الإنساني.
كان الرجل الذي لقّبه الجمهور بـ”الرجل الحديدي” يجمع في شخصه صلابة البنية ورهافة الحس، ويقف على الحافة بين بطولات الحركة ونعومة الكوميديا الرومانسية،
متقدماً بثقة نحو قلوب الملايين.
لم تكن شهرته مجرد ضوء عابر، بل حالة عشق جماهيرية حقيقية، حتى إن صورته كانت تسكن تحت وسائد المعجبات في بيوت الهند كما لو كانت تميمة تحفظ الحلم وتؤنس الليل.
وما بين نجوميته الواسعة وحياته الخاصة
ظل دارمندرا يقدم نفسه كما هو بشراً يصيب ويخطئ، يعترف بضعفه كما يفاخر بقوته. تحدّث بصراحة عن محبته القديمة للكحول، واعترف بأن ابنه ساني رأى فيه ما دفعه إلى الامتناع عنها تماماً.
في تلك المقابلة الشهيرة عام 1983 بدا الممثل المخضرم كأب يراجع حياته، يستعيد اللحظات التي كان يرى فيها الألم يلمع في عيني ساني كلما رفع كأسه، فيشعر بوخز الذنب يسري عبر قلبه. قال يومها إن ابنه تعلّم من أخطائه،
وأن امتناع ساني عن التدخين والكحول كان درسه الأول المستخلص من حياة أبيه.
ولم يكن دارمندرا مجرد نجم متألق، بل رمز لمرحلة كاملة في صناعة السينما الهندية. جسّد شخصية فيرو في فيلم “شولاي” عام 1975، وهو الدور الذي صار لاحقاً أيقونة لا تمحى من ذاكرة الجمهور، وصورة مكتملة للمجرم الصغير الذي يحمل في داخله نبلاً لا تخطئه العين. وعلى امتداد أكثر من ثلاثمئة فيلم ظل يثبت أن البساطة ليست ضعفاً بل قوة لا يمتلكها إلا من صدق نفسه وصدقه الناس.
كان يصف ذاته بأنه رجل بسيط، غير أن البساطة التي قصدها كانت من تلك التي تزداد عمقاً كلما اقتربت منها، ومن تلك التي لا تصنعها المدارس ولا تمنحها الجوائز بل تولد مع أصحابها.
رحل دارمندرا عن تسعة وثمانين عاماً، تاركاً ستة أبناء هم ساني وبوبي وأجيتا وفيجيتا وإيشا وآهانا، وزوجتيه براكاش كاور وهيما ماليني، وجمهوراً يودع معه سنوات طويلة من البهجة والمتعة السينمائية.
وقد عبّر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عن هذا الرحيل قائلاً إن وفاة دارمندرا تشير إلى نهاية حقبة في تاريخ الفن الهندي،
وهو قول يختصر الكثير مما مثّله الرجل في وجدان الهند.
وبين أعماله التي لا تزال حيّة في الذاكرة كان يستعد لآخر ظهور سينمائي له في فيلم “إيكيس” المنتظر عرضه قريباً، غير أن القدر اختار أن يكون هذا الظهور وعداً مؤجلاً يحمل عبق الراحل ولا يحمل حضوره.
يمضي دارمندرا اليوم إلى الغياب، لكن صورته تبقى معلّقة على جدران الذاكرة، في ملامحه التي أحبها ملايين البشر، وفي أدواره التي صنعت صيت بوليوود، وفي أثر لا يمحوه مرور الزمن. لقد كان أكثر من ممثل، كان قصة باقية من قصص الفن التي لا تنتهي برحيل أصحابها، بل تبدأ من جديد مع كل مشاهدة وكل قلب يتذكر.
