كتب م / رمضان بهيج
مفتاح الهدوء الداخلي: الصبر كدرع للصحة النفسية
نعيش في عصر السرعة، حيث تتسارع المتطلبات وتتزايد الضغوط، مما يجعل مفهوم الصحة النفسية أكثر أهمية من أي وقت مضى. في خضم هذه الدوامة، يبرز الصبر ليس مجرد فضيلة أخلاقية، بل كأداة علاجية ودرع نفسي يحمينا من التآكل الداخلي.
العبارة الملهمة هنا هي: “الهدوء ليس غياب العاصفة، بل السكينة في قلبها.” والصبر هو الجسر الذي يأخذنا إلى تلك السكينة؛ فالصبر يقلل من الاستجابة للصحة النفسية .
عندما يواجه الإنسان موقفاً صعباً، يميل الجسم إلى تفعيل استجابة “الكر أو الفر” ، حيث ترتفع مستويات هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين. التراكم المزمن لهذه الهرمونات يمكن أن يؤدي إلى القلق المستمر، الأرق، وحتى مشاكل جسدية ؛ الصبر هو الثبات عند الشدائد والعمل على تجاوزها، وليس الاستسلام للواقع والقبول به.”
“أصغِ جيداً، وأطل التفكير، ثم استجب حينما يكتمل لديك الرد؛ فالتفكير الطويل ما هو إلا صبرٌ جميل على ردة الفعل.”
هنا يأتي دور الصبر:
إيقاف رد الفعل الفوري: الصبر يمنح العقل مساحة زمنية صغيرة قبل الاستجابة للمحفزات السلبية؛ هذه المهلة تمنع ردود الأفعال الاندفاعية التي غالباً ما نندم عليها لاحقاً.
“استمع بدقة، وفكر بعمق، ولا ترد إلا بعد تمكنك من صياغة الإجابة المناسبة؛ فجوهر التفكير الطويل هو الأناة والتحكم في ردات الفعل.”
خفض الكورتيزول: عندما يختار الفرد التريث والقبول المؤقت للوضع بدلاً من المقاومة العنيفة، تقل الحاجة البيولوجية لإطلاق الكورتيزول، مما يحافظ على استقرار الجهاز العصبي.
من العجز إلى التحكم: الصبر يزرع الإحساس بالقوة
أحد أكبر مسببات القلق والإحباط هو الشعور بالعجز وفقدان السيطرة على مجريات الحياة. الشخص غير الصبور يشعر بأن عليه إصلاح كل شيء في لحظته، وعندما يفشل في ذلك، يغرق في الشعور بالهزيمة ؛ “ليس الصبرُ خضوعاً للأقدار، بل هو كفاحٌ واعي في مواجهة الشدائد حتى تنكشف.”
الصبر ليس استسلاماً للواقع المُر، بل هو الوقوف بصلابة في وجه الريح حتى يلين عودها.”
على النقيض، الصبر يُعلمنا أن بعض الأمور تتطلب وقتاً لتتغير، وأن بعضها الآخر خارج عن نطاق سيطرتنا تماماً. هذا الإدراك يؤدي إلى التركيز على ما يمكننا فعله في الوقت الحاضر، وهو ما يسمى بـ”التحكم الداخلي”.
قبول الواقع: الصبر هو القدرة على تقبّل الواقع المؤلم دون استسلام، مما يحرر طاقتنا من مقاومة ما لا يمكن تغييره، ويوجهها نحو التكيف والبناء.
بناء المرونة : كل مرة نختار فيها الصبر في مواجهة الشدائد، فإننا نقوي “عضلة” المرونة النفسية لدينا، مما يجعلنا أكثر قدرة على التعافي بسرعة من الأزمات المستقبلية.
الصبر يغذي الوعي اللحظي
الصحة النفسية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بقدرتنا على العيش في اللحظة الحالية (الآن). القلق هو التفكير المفرط في المستقبل،
والاكتئاب هو الاجترار المفرط للماضي.
الصبر يجبرنا على البقاء في الحاضر. عندما نكون صبورين، فإننا نقول لأنفسنا: “سأتعامل مع هذا اليوم/هذه الساعة، وسأركز على المهام التي أمامي الآن، دون استباق النتائج أو القلق بشأن الغد البعيد.” هذا التركيز يقلل من “الضجيج” الذهني ويسمح لنا بتقدير الإيجابيات الصغيرة التي تمر مرور الكرام عند الانشغال بالهموم المستقبلية.
الصبر هو فن الحفاظ على الابتسامة حين يظن الجميع أنك منكسر، ليس خداعاً بل إيماناً بالنصر القادم.”
الصبر ليس مجرد خيار، بل هو مهارة أساسية يجب تدريب النفس عليها لضمان الصحة النفسية. إنه يمثل الخط الفاصل بين رد الفعل الهستيري والاستجابة الواعية. عندما نعتمد الصبر كمنهج، نتحول من ضحايا للظروف إلى قادة لذواتنا الداخلية، فنحقق الهدوء والسكينة حتى في قلب أصعب التحديات.
كن صبورا وتعامل مع المواقف بالصبر وليس بالتواكل والكسل .
ليس الصبر أن تحمل أثقالك بصمت، بل أن تبني من
تلك الأثقال جسراً يَعبر بك إلى الضفة الأخرى.”
