
مازن السيد
في السنوات الأخيرة، لم تعد المدرسة أو قاعة المحاضرات وحدها مصدر المعرفة والمعلومة، بل ظهرت بدائل رقمية تخطت كل التوقعات، وكان أبرزها تطبيق “تيك توك” الذي بدأ كمنصة للترفيه، ثم تحوّل تدريجيًا إلى مساحة تعليمية غير تقليدية.
فلماذا أصبح “تيك توك” هو المدرسة الجديدة للشباب والمراهقين؟
وهل ما يقدمه من معرفة يُغني عن المصادر الأكاديمية؟ أم أنه مجرد نسخة شعبية من “اللاوعي الجماعي”؟
يقدّم “تيك توك” مقاطع فيديو قصيرة لا تتجاوز الدقيقة، لكنها في كثير من الأحيان تنجح في تبسيط مفاهيم علمية، أو تقديم نصائح حياتية، أو حتى شرح دروس مدرسية بأسلوب مرح وجذاب.
وهذا ما جعله أقرب إلى عقلية جيل الشباب، الذي لم يعد يطيق الأسلوب التقليدي في الشرح، ولا كثرة السطور، ولا ازدحام التفاصيل.
من أكثر الظواهر اللافتة، أن مَن يشرح ويُعلّم على “تيك توك” لم يعد بالضرورة معلّمًا محترفًا أو أكاديميًّا، بل أصبح المؤثر (الإنفلونسر) هو المصدر الجديد للمعلومة.
بعضهم يشرح الفيزياء بأسلوب كوميدي، وآخرون يشرحون قواعد اللغة الإنجليزية بإشارات اليد، بينما يقدّم البعض مفاهيم فلسفية من خلال رسوم كرتونية أو تمثيل ساخر.
وهنا تُطرح تساؤلات مهمة:
هل أصبحت “الكاريزما” شرطًا لتعليم الناس؟
وهل فقد التعليم قيمته أمام سرعة الوصول والتفاعل؟
لا شك أن ما يحدث على “تيك توك” يُعتبر ظاهرة جديدة في عالم التعليم، خاصةً في ظل وجود محتوى مفيد وجاذب.
لكن هناك وجهًا آخر للعملة، إذ تنتشر أيضًا معلومات خاطئة أو مُضلّلة، خاصة في مجالات مثل الطب، الدين، أو الصحة النفسية.
المشكلة ليست في “تيك توك” كمنصة، بل في غياب التحقق من المصادر، وسهولة تصديق أي شخص يتحدث بثقة أمام الكاميرا.
رغم كل ما يقدمه من معلومات سريعة، يبقى “تيك توك” أداة مساعدة، لا بديلًا عن التعلّم الحقيقي المتكامل.
المنصات القصيرة تُنير الطريق، لكنها لا تُغني عن القراءة، والتفكير النقدي، والرجوع للمصادر الموثوقة.
لم يعد الجيل الجديد ينتظر المعلومة في كتاب، بل يبحث عنها في شاشة هاتفه.
وإذا لم تتطور المدارس، وتستوعب هذا التحول، فقد تجد نفسها تدرّس لتلاميذٍ أذهانهم في مكان آخر تمامًا… على “تيك توك”.