كتبت: د. إيمان بشير ابوكبدة
يُعدّ مرض باركنسون أحد الأمراض التي تصيب الجهاز العصبي المركزي، وينتج أساسًا عن فقدان خلايا عصبية معيّنة في الدماغ مسؤولة عن إنتاج مادة الدوبامين، وهي ناقل عصبي يلعب دورًا محوريًا في تنظيم الحركة والتنسيق العضلي. ورغم أن السبب الدقيق للإصابة لا يزال غير معروف بشكل قاطع، فإن الأبحاث تشير إلى أن المرض ينشأ نتيجة تداخل عوامل وراثية وبيئية معًا.
العوامل المؤدية للإصابة بمرض باركنسون
التقدم في العمر
يظهر مرض باركنسون غالبًا في منتصف العمر أو في مراحله المتأخرة، وتزداد احتمالية الإصابة مع التقدم في السن. تشير الإحصاءات إلى أن نحو 1% من الأشخاص فوق سن الستين يُصابون بالمرض، بينما نادرًا ما يظهر قبل سن الخامسة والأربعين.
الجنس
يُلاحظ أن المرض أكثر شيوعًا بين الرجال مقارنة بالنساء، دون وجود تفسير علمي قاطع لهذا الاختلاف حتى الآن.
إصابات الرأس
قد تؤدي إصابات الدماغ الرضحية، خاصة تلك المصحوبة بفقدان الوعي أو الذاكرة، إلى زيادة خطر الإصابة بمرض باركنسون حتى بعد مرور سنوات طويلة على الإصابة.
التعرض للسموم
التعرض المزمن للتلوث الصناعي، أو لمبيدات الأعشاب والفطريات والحشرات، يُعد من العوامل التي قد ترفع احتمالية الإصابة.
طبيعة العمل
بعض المهن، مثل مهنة اللحام، ارتبطت بزيادة خطر الإصابة بمرض باركنسون نتيجة التعرض المستمر لمواد كيميائية ومعادن معينة.
آلية الإصابة بمرض باركنسون
يُصنّف باركنسون ضمن أمراض التنكس العصبي، ولا تزال الكثير من التفاصيل الجزيئية الدقيقة غير مفهومة بالكامل. يبلغ متوسط عمر ظهور المرض نحو 55 عامًا، وفي حوالي 95% من الحالات لا يكون العامل الوراثي المباشر هو السبب الأساسي، رغم أن 15–25% من المرضى قد يكون لديهم تاريخ عائلي للإصابة.
تلعب مادة ألفا-سينوكلين دورًا مهمًا في تطور المرض؛ إذ يؤدي تراكمها غير الطبيعي إلى تعطّل الإشارات العصبية بين الخلايا. كما أن فقدان الخلايا المنتجة للدوبامين يؤدي إلى خلل في نقل الإشارات العصبية، ما ينعكس في صورة اضطرابات حركية وضعف في بعض القدرات الإدراكية.
أعراض مرض باركنسون
تختلف أعراض المرض من شخص لآخر، وقد تبدأ في جانب واحد من الجسم ثم تمتد لاحقًا إلى الجانبين. ومن أبرز الأعراض:
الرعشة: غالبًا ما تبدأ في إصبع أو يد أو ذقن، وتظهر بوضوح أثناء الراحة. تكون خفيفة في البداية وقد لا يلاحظها إلا المريض نفسه.
بطء الحركة (بطء الحركة): صعوبة متزايدة في أداء الحركات اليومية مثل المشي أو الجلوس، مع خطوات أقصر وجرّ القدمين، وتراجع الحركات التلقائية كرمش العينين أو تأرجح الذراعين.
تغير الخط: يصبح خط اليد أصغر ومتقاربًا مع الوقت، وهي حالة تُعرف باسم الميكروغرافيا.
تيبس العضلات: خاصة في الكتفين والوركين، وقد يكون مصحوبًا بالألم ويحدّ من الحركة الطبيعية.
ضعف حاسة الشم: صعوبة في تمييز الروائح أو فقدان القدرة على شم بعض الروائح المعروفة.
اضطراب التوازن ووضعية الجسم: الميل إلى الانحناء للأمام للحفاظ على التوازن.
اضطرابات النوم: مثل الأرق، التعب النهاري، الحركات اللاإرادية أثناء النوم، أو انقطاع النفس الليلي.
تغيرات الكلام: انخفاض شدة الصوت، سرعة الكلام أو تشويشه.
تراجع تعابير الوجه: مما يعطي انطباعًا بالجمود أو الحزن، رغم بقاء المشاعر طبيعية.
مراحل مرض باركنسون
يتطور المرض بشكل تدريجي، ويُصنَّف عادة إلى خمس مراحل، مع اختلاف سرعة التقدم والأعراض بين المرضى.
المرحلة الأولى
تكون الأعراض خفيفة ومحدودة في جانب واحد من الجسم، ولا تؤثر بشكل ملحوظ على النشاط اليومي. قد تظهر رعشة بسيطة أو تيبس خفيف، وغالبًا ما يصعب تشخيص المرض في هذه المرحلة.
المرحلة الثانية
تظهر الأعراض على جانبي الجسم، مع زيادة الرعشة والتيبس وبطء الحركة. قد يعاني المريض من آلام في الرقبة أو الظهر وانحناء في القامة، لكنه يظل قادرًا على ممارسة حياته اليومية والاستقلال بنفسه.
المرحلة الثالثة
تُعد المرحلة المتوسطة، وتتميز بضعف التوازن وبطء واضح في الحركة، مع زيادة خطر السقوط. رغم ذلك، يستطيع المريض أداء أنشطة العناية الذاتية مثل الأكل وارتداء الملابس، ويكون التشخيص في هذه المرحلة أكثر وضوحًا.
المرحلة الرابعة
تصبح الأعراض شديدة ومعيقة، ويواجه المريض صعوبة كبيرة في أداء المهام اليومية. قد يحتاج إلى أدوات مساعدة للمشي، ويصبح العيش بمفرده أمرًا صعبًا وغير آمن.
المرحلة الخامسة
وهي المرحلة الأكثر تقدمًا، حيث يعاني المريض من ضعف شديد في القدرة على الوقوف أو المشي، وغالبًا ما يحتاج إلى كرسي متحرك ورعاية مستمرة على مدار الساعة. قد تظهر أعراض مثل الارتباك، والهلوسة، والأوهام، ويعاني عدد من المرضى من الخرف في هذه المرحلة، مع تراجع فعالية الأدوية أحيانًا.
