“مشاهدة الفيديوهات مقابل المال.. كسب مشروع أم صورة حديثة من القمار؟”

بقلم د/ حمدان محمد
في عصر الانفتاح الرقمي وتعدد وسائل الكسب عبر الإنترنت، ظهرت مؤخراً منصات تدّعي أنها تتيح للمستخدمين فرصة تحقيق أرباح مالية بمجرد مشاهدة الفيديوهات، بشرط أن يدفع الشخص مبلغاً مالياً كاشتراك أو استثمار أولي. فهذه الظاهرة التي انتشرت سريعًا، أثارت تساؤلات شرعية حول حكمها في الإسلام، وهل تعد وسيلة كسب مباحة أم صورة مقنعة من الميسر المحرم؟
ما هي آلية عمل هذه المنصات?
تقوم هذه المنصات على نظام بسيط ظاهريًا: يشترك الشخص بدفع مبلغ مالي، ثم يشاهد عددًا من الفيديوهات مقابل الحصول على عائد مالي. وكلما زاد وقت المشاهدة أو قام المستخدم بجذب مشتركين جدد، ارتفع ربحه. لكن الحقيقة أن هذه الأرباح ليست مضمونة، بل تعتمد على استمرار تدفق أموال المشتركين الجدد، مما يجعلها أقرب إلى الأنظمة الهرمية أو الاحتيالية.
إذن ما هو الحكم الشرعي في هذه المعاملات؟
اتفق العلماء على أن الأصل في المعاملات المالية هو الإباحة، ما لم يرد نص بتحريمها أو تتضمن محذورات شرعية مثل الغرر (الجهالة)، والميسر (القمار)، وأكل أموال الناس بالباطل. وعند النظر في مثل هذه الأنظمة، نجد أنها تتضمن عدة محظورات شرعية صريحة تجعلها محرمة، وأبرز هذه المحظورات:
1. وقوع الغرر والمجهولية
الغرر هو الجهالة وعدم وضوح مآل المعاملة، وهو منهي عنه شرعًا، فقد نهى النبي ﷺ عن بيع الغرر (رواه مسلم). وفي هذه المنصات لا يعلم المشترك ما إذا كان سيحصل على المال فعلًا أم لا، كما أن تحقيق الربح يعتمد على أموال المشاركين الجدد، مما يجعل المعاملة مبنية على الاحتمالات المجهولة.
2. شبه القمار (الميسر)
القمار هو كل معاملة يدخل فيها الشخص بمال على أمل تحقيق ربح أو خسارة بناءً على الحظ والمصادفة، وقد قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾ (المائدة: 90).
وهذه المنصات تعتمد على دفع المال مقابل احتمال الربح أو الخسارة دون مقابل حقيقي، مما يجعلها صورة من صور الميسر المحرم.
3. أكل أموال الناس بالباطل
الربح في هذه الأنظمة لا يتحقق إلا من خلال جذب مشتركين جدد، وأموال هؤلاء الجدد تدفع كمكافآت للقدامى، مما يعني أن الربح ليس مبنيًا على عمل حقيقي أو خدمة مشروعة، بل هو أكل لأموال الآخرين بغير وجه حق، وقد قال تعالى:
﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾ (البقرة: 188).
&&&التحذير من الوقوع في الشبهات&&&
هذه المنصات وإن كانت مغرية للبعض، إلا أنها تقع ضمن الأنظمة المشبوهة التي تنتهي عادة بخسائر كبيرة لمعظم المشاركين باستثناء القلة المتحكمة في النظام. وقد حذر النبي ﷺ من المكاسب غير المشروعة، فقال:
“كل جسد نبت من سُحت، فالنار أولى به” (رواه الطبراني).
&&&بدائل الكسب الحلال عبر الإنترنت&&&
ينبغي على المسلم أن يتحرى الكسب الطيب، والابتعاد عن الشبهات،
وهناك طرق مشروعة للعمل عبر الإنترنت منها:
1/العمل الحر (كتابة، تصميم، برمجة).
2/الاستثمار في مشاريع حقيقية واضحة.
3/التجارة الإلكترونية بطرق مشروعة.
على المسلم أن يكون واعيًا لكل معاملة مالية تعرض عليه، وأن يتحرى الحلال ويتجنب الحرام، وقد قال النبي ﷺ:
“دع ما يريبك إلى ما لا يريبك” (رواه الترمذي).
لذلك، فمثل هذه المنصات التي تتطلب دفع المال على أمل تحقيق ربح دون عمل حقيقي تعتبر محرمة شرعًا، لما فيها من الغرر والميسر وأكل أموال الناس بالباطل.