الأربعاء 2 ربيع الثاني 1447 | 24 - سبتمبر - 2025 - 3:00 ص
الرئيسيةمحافظاتالمدينة والمكان

المدينة والمكان

 

فادية الريس

 

تأسست بورسعيد عام 1859 كميناء مرتبط بحفر قناة السويس، بهدف استيعاب السفن القادمة إلى مصر من البحر المتوسط.

 

في أوائل عشرينيات القرن العشرين، كانت بورسعيد قد نالت مكانةً اقتصاديةً واجتماعيةً كبيرة، إذ كانت نقطة التقاء التجارة العالمية، المهاجرين، البحّارة، العمال، والتجار من جنسيات متعددة.

 

السكان والجاليات والمكوّن الثقافي

 

الجاليات الأجنبية، وخاصة اليونانيون، كانوا من أهم العناصر التي شكّلت نسيج المدينة: عملوا في التجارة، أقاموا مدارسهم وكنائسهم، وساهموا ببناء محلات، عمائر، وبنى مهترئة وجميلة.

 

كما يوضح مؤرخ بورسعيد ضياء الدين حسن القاضي، في موسوعته تاريخ بورسعيد، أنّ الحيّ الإفرنجي والواجهات الأوروبية والكنائس والطراز المعماري المتنوع، كلها رموز لحقبة كانت بورسعيد فيها ملتقى حضارات.

 

الاقتصاد والحياة اليومية

 

بورسعيد في تلك الفترة كانت سوقاً حية؛ التجارة بمختلف أشكالها—التجارة البحرية، تجارة التجزئة، تجارة الموانئ—هي المحرّك الأساسي للحياة الاقتصادية. المارُّون من السفن، البحّارة، العمال المحليون، وكل من يمرّ عبر القناة، كانوا في شارع مثل الحميدي جزءاً من حركة اقتصادية نشطة. (لم يُوثّق فيها نصًّا دقيقًا لشارع الحميدي تحديدًا من المصادر التي توصلتُ إليها، لكن تلك الملاحظة ممكنة اعتماداً على تحليل السياق العامّ للمدينة).

 

في عام 1923 مثلاً، تم تأسيس أول مول تجاري معروف ببورسعيد باسم “مول سيمون أرزت”؛ وكان يعتبر واجهة للتجارة الفاخرة، حيث يوفر بضائع استوردت من أوروبا وآسيا وكان محط أنظار أهالي المدينة والزوار.

 

العمارة والأسلوب الجمالي

 

عمائر بورسعيد تحمل الطراز الأوروبي، بواجهات خشبية في كثير من الأحيان، تطعيمات فنية، شرفات، تصاميم مستوردة وحِرف يدوية تُظهر ذكاء التصاميم وتنوعاً بين الطراز الفرنسي، الإيطالي، وحتى التأثيرات الشرقية في الزخارف.

 

كذلك، الواجهات التي تواجه الممرات والشوارع كانت تحافظ على توازن بصري، بإيقاعات نوافذ، أبواب، أعمدة، زينة خشبية، وفتحات تهوئة، ما يعطي شعوراً بدفء التجاور بين الجيران والناس.

 

 

صورة الشارع كما أراها

 

في شارع الحميدي عام 1926، ربما:

 

تسمع خطوات الأقدام على الرصيف، طبول عربات الكارو، عبير القهوة أو الشاي العربي، بائعات يحملن سُلالًا من الفاكهة أو الخبز، وبائعين متجولين بأصواتهم المألوفة.

 

ترى المحلات الصغيرة التي تعرض بضائع مستوردة: أقمشة، أدوات منزلية، سماعات وأدوات حلاقة، ربما مرطّبات، عطارة، وملابس أنيقة تلقيها أيدي اليونانيين، الأرمن، المصريين، وغيرهم.

 

العمارة تبدو نظيفة، وفي كثير من الحالات مزيّنة بألوان فاتحة، نوافذ كبيرة، شُرفات واسعة مطلة على الشارع، والتداخل بين الحياة العامة والخاصة واضح: الجيران يتبادلون التحيات، أطفال يجرّون أقفال محلاتهم، يسمعون ضحكات وصياح، في جوّ قريب من البساطة والطمأنينة.

 

الحركة تتردد: باخرة تصل أو تغادر، عامل يحمّل بضائع إلى الميناء، رجل أنيق يمرّ بإبطه كتاب، سيدة ترتدي ثوباً يظهر أن الصناعة المحلية بدأت تأخذ مكانها بجانب البضائع المستوردة.

أهمية الزمن هذا ولماذا حنيننا له

 

لأنه جمع بين التواصل البشري والبساطة قبل أن تلتهم السرعة والتكنولوجيا كثيرًا من تفاصيل العيش.

 

لأنه رسم مدينة تستطيع أن تحتفظ بناسها وثقافتها وجمالها، رغم الانفتاح والتعدد الثقافي.

 

لأنه شاهد على كيف كانت الحياة ممكنة بشكل مختلف: لا ضجيجًا مروريًا كبيرًا، لا ضغوط تكنولوجية، لا ضغط إعلانات، بل علاقة مباشرة بين أهل الشارع.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا