السبت 5 ربيع الثاني 1447 | 27 - سبتمبر - 2025 - 5:21 ص
الرئيسيةمقالاتالتعليم ورسالة الفن السامية للشعوب

التعليم ورسالة الفن السامية للشعوب

بقلم : جمال حشاد

يُعَدّ الفنّ لغةً إنسانيةً عالمية يجب ان نتعلمها فهى تتجاوز حدود الزمان والمكان، فالفن ليس مجرّد وسيلة للتسلية أو الترفيه، بل رسالة سامية تُخاطب وجدان الإنسان يجب ان نتعلمها ونعلمها لأبنائنا، وتغرس في الروح القيم النبيلة. ومن خلال مختلف أشكاله—كالموسيقى، والأدب، والرسم، والمسرح، والسينما—يصبح الفنّ جسرًا يصل بين الشعوب والحضارات، ويعكس طموحات الإنسان وأحلامه.

الفن مرآة صادقة للانسان والمجتمع تعكس أحوال المجتمع، إذ يعبّر عن آلامه وآماله، وعن قضاياه الكبرى مثل الحرية والعدالة. ومن خلال هذه المرآة يمكن توثيق التاريخ الإنساني، فكل لوحة أو قصيدة أو معزوفة تحمل روح الحقبة التي وُلدت فيها، لتصبح شهادة خالدة على تطوّر الفكر والثقافة.

البُعد الروحي والأخلاقي للفن حيث لا تقتصر رسالة الفن على الجمال الحسي فقط، بل تمتد إلى إحياء الروح وتهذيب الأخلاق. فالفن الراقي يسمو بالمشاعر، ويرتقي بالذائقة، ويزرع في النفس حبّ الخير والسلام. وعندما يوجَّه الفن لخدمة الحق والجمال، يصبح أداةً تربوية تحفّز على التسامح والتعايش ونبذ العنف.

توحيد الشعوب وتعزيز الحوار؛ فالفنّ رسالة تتجاوز الحواجز اللغوية والثقافية، فيجمع القلوب رغم اختلاف الألسنة والألوان. فمقطوعة موسيقية أو لوحة فنية قد تُفهَم في أي مكان بالعالم، وتثير المشاعر ذاتها لدى المتلقي مهما كان انتماؤه. وهكذا يُسهم الفن في بناء جسور الحوار بين الحضارات وتعزيز التفاهم الإنساني.

إنّ رسالة الفن السامية تكمن في كونه وسيلةً للسمو الروحي، والتعبير الصادق، وبثّ القيم الإنسانية الخالدة. فالفنّ ليس ترفًا، بل ضرورة تضمن للإنسان توازنه الجمالي والوجداني، وتجعله أكثر قدرة على مواجهة تحديات الحياة بروح ملؤها الإبداع والجمال.

يُعَدّ فيلم العزيمة (1939) للمخرج كمال سليم علامةً بارزة في تاريخ السينما المصرية والعربية، فهو نموذج طيب من مبادئ طيبة ظهرت فى أول فيلم واقعي مصري يعكس حياة الطبقة الشعبية بعيدًا عن قصص القصور والأثرياء التي سادت في ذلك الوقت. ومن خلال بطليه حسين صدقي وفاطمة رشدي، يقدّم الفيلم رسالة خالدة عن قوة الإرادة في مواجهة الفقر والظروف القاسية.

عُرض الفيلم في فترةٍ كانت فيها السينما المصرية تميل إلى الميلودراما وقصص الحب الأرستقراطية. غير أنّ العزيمة كسر هذا النمط، فاختار أن يروي حكاية شاب فقير يكافح من أجل حياة كريمة، مُقدِّمًا صورة حيّة لأزقّة القاهرة وأحلام الطبقة العاملة. وقد اعتُبر هذا العمل بداية لما يُعرف بـ“الواقعية الاجتماعية” في السينما العربية.

يطرح الفيلم قضايا العدالة الاجتماعية والطبقية، مسلّطًا الضوء على معاناة الفقراء وصراعهم من أجل إثبات وجودهم في مجتمع يهيمن عليه المال والنفوذ. من خلال قصة الحب التي تواجه عقبات الفقر والكبرياء، يبعث الفيلم برسالة مفادها أنّ العزيمة والإرادة أقوى من القيود الطبقية، وأن الطموح الحقيقي لا يقف أمامه سوى ضعف الإنسان نفسه.

البُعد الإنساني والوطني يجب أن نتعلمه ونعلمه لأبنائنا؛ إلى جانب الجانب الاجتماعي، يعكس الفيلم روحًا وطنية غير مباشرة، إذ يُظهر قيمة العمل والإصرار كطريقٍ للنهوض بالمجتمع. فقد جاء في زمنٍ كانت مصر تبحث فيه عن هويتها بعد سنوات من الكفاح ضد الاستعمار، فكان دعوةً إلى التكاتف والاعتماد على النفس لبناء مستقبل أفضل.

اعتمد كمال سليم على تصوير حيّ للشوارع والأحياء الشعبية، مستخدمًا كاميرا أكثر تحررًا من القيود المسرحية، ما أضفى على العمل واقعية نادرة في تلك الحقبة. كما نجح الممثلون في أداء أدوارهم ببساطة وصدق، فزادوا من تأثير الرسالة على المشاهد.

إنّ رسالة فيلم العزيمة لا تقتصر على كونه قصة حبّ تتحدى الفقر، بل تتجاوز ذلك لتؤكد أنّ الإرادة الصلبة والتمسّك بالقيم يمكن أن تهزم أي واقع قاسٍ. لذا يظل هذا الفيلم علامةً مضيئة في تاريخ السينما المصرية، ونموذجًا للفن الذي يوظف جماله لخدمة قضايا الإنسان والمجتمع.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا