د.نادي شلقامي
يُعد افتتاح المتحف المصري الكبير (GEM) حدثاً تاريخياً يتجاوز كونه مجرد تدشين لصرح ثقافي؛ إنه إعلان عن مرحلة جديدة في مسيرة مصر الحضارية. هذا المشروع الضخم، الأكبر عالمياً لحضارة واحدة، لا يعرض كنوز الماضي فحسب، بل يمثل استثماراً استراتيجياً في الحاضر والمستقبل. إن انعكاسات هذا الإنجاز تتشابك لتشمل النسيج النفسي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمصريين، وتتسع لتطال العالم العربي بأكمله، مؤكداً أن الحضارة المصرية هي مفتاح القوة الناعمة والنهضة الشاملة. سيتناول هذا التقرير تحليلاً مفصلاً لهذه الانعكاسات على كافة الأصعدة.
في هذا التقرير نستعرض الانعكاسات المتوقعة لافتتاح المتحف المصري الكبير على المصريين والعرب في أبعادها المختلفة:
أولا….الانعكاس على المصريين
1- الانعكاس النفسي والاجتماعي
أ- تعزيز الهوية والفخر الوطني: يمثل المتحف صرحاً ضخماً يليق بتاريخ مصر، مما يعزز شعور الفخر لدى المصريين بحضارتهم العريقة وبقدرتهم على إنجاز مشروع عالمي بهذا الحجم.
ب- بناء الثقة في المستقبل: الإنجاز يجسد روح النهضة والقدرة على تحقيق المشروعات الكبرى، مما يدعم الثقة في مسيرة الدولة المصرية الحديثة وقدرتها على تحقيق التنمية الشاملة.
ج- زيادة الوعي الثقافي والتراثي: يساهم المتحف في توعية النشء والمجتمع المصري بالحضارة المصرية بشكل أكثر عمقاً وتفصيلاً من خلال استخدام أحدث تقنيات العرض.
د- التأثير على الحياة المعيشية: التحول العمراني الشامل في المناطق المجاورة للمتحف، مثل تطوير الطرق وتجميل المنطقة، يؤدي إلى تحسين بيئة المعيشة المحيطة.
2- الانعكاس السياسي..
أ- تعزيز القوة الناعمة والمكانة العالمية: المتحف هو رمز عالمي لقوة مصر الناعمة، ويعزز من مكانتها كـمركز إشعاع ثقافي وحضاري يمتد تأثيره عبر العصور، وهو بمثابة “هدية مصر للعالم”.
ب- جذب الاهتمام العالمي: الحدث يجذب انتباه الصحف والوكالات الإعلامية العالمية، مما يمثل أكبر حملة إعلانية مجانية للدولة المصرية على الساحة الدولية.
ج- تجسيد الإرادة الوطنية: إنجاز المشروع رغم التحديات الاقتصادية والسياسية الإقليمية يعكس الإصرار والرؤية الطموحة للدولة المصرية.
3- الانعكاس الاقتصادي..
أ- تنشيط السياحة وزيادة العملة الصعبة: المتحف يُعد رافداً ثقافياً ضخماً، ومن المتوقع أن يكون أحد المؤسسات الثقافية الأكثر زيارة في العالم، مما يجذب ملايين الزوار سنوياً ويسهم في زيادة تدفقات النقد الأجنبي.
ب- توفير فرص العمل: يسهم المشروع في توفير عشرات الآلاف من فرص العمل بشكل مباشر وغير مباشر في قطاعات السياحة والفنادق، والمطاعم، والنقل، والحرف اليدوية، والتراث الثقافي.
ج- دعم الصناعات الصغيرة والحرف التراثية: إحياء الحرف التقليدية والصناعات اليدوية من خلال التوسع في إنتاج وبيع المستنسخات والهدايا التذكارية، مما يدعم الأسر المنتجة والمشروعات الصغيرة.
د- دفع عجلة النمو الاقتصادي: يُتوقع أن يحقق المتحف عوائد اقتصادية ضخمة تساهم في دعم الاقتصاد الوطني ورفع مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي.
ه- خلق استثمارات جديدة: الزخم السياحي يفتح الباب أمام فرص استثمارية في إنشاء مولات وأسواق تجارية متخصصة وخدمات فندقية جديدة.
ثانيا….الانعكاس على العرب
1- الانعكاس النفسي والاجتماعي
أ- تعزيز الارتباط الحضاري المشترك: يمثل المتحف امتداداً للإرث الحضاري للمنطقة، مما يعزز الشعور بـالفخر العربي المشترك بحضارة وادي النيل، كونها جزءاً أصيلاً من تاريخ المنطقة.
ب- منارة للتبادل الثقافي: يكون المتحف مركزاً ثقافياً وحضارياً إنسانياً يجمع المثقفين والباحثين العرب، ويسهل التبادل المعرفي والثقافي الإقليمي.
2- الانعكاس السياسي..
أ- ترسيخ الريادة الإقليمية: إنجاز مشروع ضخم وعالمي يؤكد الدور الريادي لمصر كدولة محورية في العالم العربي قادرة على قيادة المشروعات الحضارية الكبرى.
ب- تأكيد قيمة الحضارة العربية: الحدث يبعث برسالة قوية للعالم بأن المنطقة العربية غنية بالتاريخ والحضارة، وأنها قادرة على بناء جسر بين الماضي والمستقبل.
3- الانعكاس الاقتصادي..
أ- تنشيط السياحة البينية: المتحف سيكون عامل جذب مهم للسياح العرب لزيارة مصر، مما يسهم في تنشيط السياحة البينية بين الدول العربية.
ب- فرص استثمارية عربية: الزخم السياحي والاستثماري الناتج عن المتحف يفتح آفاقاً أمام الاستثمارات العربية في القطاعات المرتبطة بالسياحة والخدمات في مصر.
يتضح مما سبق أن المتحف المصري الكبير ليس مجرد إضافة إلى خريطة السياحة العالمية، بل هو محفز استراتيجي للتنمية الشاملة. على الصعيد الداخلي، عزز المتحف الفخر الوطني وأطلق دفعة قوية للاقتصاد المصري عبر قطاع السياحة المرتبط به، مما يوفر فرص عمل ويجذب العملات الأجنبية. أما على الصعيد الإقليمي والدولي، فقد رسخ مكانة مصر كـ”مركز إشعاع ثقافي وحضاري” وعزز من قوتها الناعمة بين الدول العربية والعالم، مؤكداً أن مصر قادرة على صون تاريخها وتقديمه للعالم بثوب يليق بعمقها الحضاري. باختصار، المتحف هو رمز حي يربط مجد الماضي بإمكانات المستقبل، ويؤكد قدرة مصر على الإنجاز والمنافسة على المستوى العالمي.
