حورات

مجتمعات بلا تنمر .. حوار مع عارف الدوسري

٢٦ يونيه ٢٠٢١

أجرت الحوار : رانيا ضيف

حوارنا اليوم مع شخصية تمتلك رؤية واضحة وفكرًا ثاقبًا، مدرب التنمية الذاتية المعروف بآرائه القوية، ومؤسس شبكة “أبرك للسلام”، الأستاذ عارف الدوسري. تناول في أطروحاته عدة قضايا شائكة، من بينها قضايا المرأة والعلاقات الأسرية، وما نتج عنها من اختلال في مجتمعاتنا اليوم.

نرحب بك أستاذ عارف، سعداء بوجودك معنا

-أهلا وسهلا بك رانيا وشكرا على الاستضافة

١نود أن نعرف القارئ أكثر على عارف الدوسري

-طبعا ،اسمي عارف الدوسري من مواليد البحرين سنة ١٩٦٩.

تربيت في عائلة متوازنة، قليلة المشاكل ،وكان أبي رحمه الله سمح لنا بحرية اتخاذ القرارات، وساوى بينناجميعا. لم يكن هناك فرق في التعامل بيني وبين أخواتي،

أميل للقوة في القرارات والوضوح في كل شيء. لا أسأل أحدًا ولا آخذ رأي أحد في أي شيء بل أعتمد علىالبحث والتجربة،

والاستفادة من تجارب الآخرين بعد أن أحللها تحليلا دقيقا (بسرعةوهبني الله سرعة الفهم، واستنباط المعاني من عمر صغير لذلك، لم أجد صعوبة في الدراسة، ولا في فهم الحياة.

كثير من الأشياء التي توقعتها حدثت، حتى المستبعد منها. أكبر هبة وهبني الله إياها هي القدرة على رؤيةتداعيات الأحداث بناء على الواقع.

عندما أكتب أو أعبر عن رأيي يكون ذلك عن اقتناع، وعن صدق عميق مع الذات، ولاأهتم بما يعتقدهالناس، هل يناسب العادات والتقاليد أو يناسب الفكر العام أم لا.

ما يهمني هو المنطق السليم. لا أخشى الحديث في الأشياء التي يتجنبها الناس ،لأنني أقدم حلولا، ولاأحاول الترقيع أو المجاملة.

٢حدثنا أكثر  عن مبادرة  مجتمعات بلا تنمر؛ كيف نشأت الفكرة وما الهدف منها ؟!

مبادرة مجتمعات بلا تنمر هي النتيجة الطبيعية لما توصلت إليه من قناعات حول الشخصية العربيةالميالة للتنمر  بسبب ضعفها الشديد، وافتقارها للنضج. ثم إن المشكلة كبرت وصارت تهدد مستقبلالناس. نحن الآن في وقت نحتاج فيه للإنتاج، والإبداع، والعطاء، ومنافسة المجتمعات الأخرى، لكنالحاصل هو ازدياد ظاهرة التنمر على المبدعين، والمميزين بحيث يتم تحطيمهم، والقضاء عليهم من البداية على يد مجموعة من الفاشلين اجتماعيا وأخلاقيا. صار المميزون يخافون من الظهور وهذا شيءغير جيد. لذلك مبادرة مجتمعات بلا تنمر هي المسمار الأول الذي أدقه في نعش الرعاع والمتخلفين.

الهدف من المبادرة هي تحويل المجتمعات العربية من حالة الهمجية إلى التحضر. هذا قد يزعجالبعض، ولكن هذة هي الحقيقة. نحن مجتمعات همجية، وهذا يجب أن يتغير.

٣  ما مفهوم التنمر من منظور الدوسري وما هي أنواعه ؟

-التنمر هو كل الأعمال العدائية المتكررة التي يقوم بها الفاشل من أجل الحصول على مكتسبات منالضحية العاجزة، أو لإرهابها والسيطرة عليها.

يجب أن نعرف أن المتنمر شخص فاشل، قد التقى بشخص عاجز إما لخوفه أو لصغر سنه، وقلة خبرتهفي الحياة.

أنواع التنمر كثيرة ،وأعتقد أن الكل يعرفها  لأنهم يعيشونها كل يوم.

لكن رانيا كما ذكرت آنفا؛ التنمر هو العمل العدائي المتكرر، وسواء كان هذا العمل جسدي، أو نفسي، أولفظي، أو حتى إيحائي فهو تنمر.

يجب أن يفهم الناس أن التنمر نمط سلوكي، ونفسي يمارسه المتنمر على ضحيته، فأي عمل يؤدي إلىتحطيم نفسية الضحية أو يشل قدرتها على الدفاع عن نفسها مهما كان بسيطا، إذا تكرر وأصبح نمطحياة فهو تنمر.

٤- هل يُعد المتنمر مريضًا نفسيًا ؟

وهل هو جانى أم ضحية ؟ وما دوافعه من هذا السلوك ؟

المتنمر دائما جاني، وهو ليس مريضًا نفسيا بل هو مريض سلوكيا. يجب أن نتوقف عن اختلاق الأعذارللمتنمرين لأن هذة حجة يستخدمونها لخداع الناس. أعرف بعض المتنمرين الذين صاروا كالحملانالوديعة أمام القانون. هذا لأن المتنمر يعي تماما ما يقوم به، ويعرف الخسائر التي ستحدث له إن استمرفي تنمره على الضحية تحت ظل القانون. لو كان مريضا نفسيا لاستمر، وحينها يمكننا بكل سهولة إيداعهأي مصحة للعلاج النفسي. باختصار إن كان مختلا سلوكيا فيمكنه تهذيب نفسه، والتوقف عن الهمجية، وإن كان مختلًا نفسيا فهو ليس متنمرا وإنما مؤذي وهذا مكانه مستشفيات الطب النفسي.

٥-ما أهم السمات الشخصية للمتنمر ؟

المتنمر هو شخص خائف ويعاني من اختلالات أخلاقية. يعتقد البعض أن التنمر مرض نفسي، ولكن علىالأرجح هو اختلال سلوكي. فالمتنمر يحاول الحصول على الأشياء بلا وجه حق. ربما يحاول الحصول علىأشياء مادية أو أشياء معنوية. مثلا تنمر الأطفال في الغالب يقع ضمن الأشياء المادية التي يحاولونالحصول عليها من الأطفال الضحايا. أما البالغين فتنمرهم ينبع من شخصيات مهزوزة، أو ضعيفة،وجدت ضحية أضعف منها فتحاول إخراج غضبها والتعويض عن ضعفها بالتنكيل بالضحية سواء جسدياأو نفسيا.

يحاول المتنمر أن يخفي ضعفه بإظهار القوة على من هم أضعف منه، أو تحت سلطته كالأطفال أوالنساء.

شيء أساسي لاحظته من خلال تعاملي مع العديد من القضايا المتعلقة بالتنمر؛ أن المتنمر لا يمارستنمره خارج البيت. أكثر التنمر يحدث في البيوت حتى لا نكاد نصدق أن فلان من الناس الذي يضرب بهالمثل في الطيبة، والأخلاق في بيته يتحول إلى فرعون أو نيرون!

٦ذكرت أن التنمر حيلة العاجز للحصول على أشياء لا يستحقها، فيستخدم القوة لإخضاع الضعفاءوأحيانًا يكون من شدة خوفه كحيلة دفاعية، وأحيانًا يكون سلوكه ناتجا عن سوء خلق؛ فهل التعامل معكل هذه الحالات بنفس الطريقة يؤتي ثماره ؟!

نعم، بكل بساطة عندما يعرف المتنمر أن أمره مكشوف وأن هناك من يستطيع إخضاعه يهدأ ويعودلصوابه، أو على الأقل يبتعد ويترك الضحية وشأنها.

٧كيف نجنب أولادنا التنمر ؟

لا نستطيع أن نجنبهم التنمر، ولكن نستطيع أن نجعلهم أقوى على ردع المتنمرين. أولا يجب أن يعرفأولادنا أننا نقف إلى جانبهم في جميع الأحوال. وثانيا يجب أن نخبرهم أن لا يمارسوا التنمر على الآخرين،لأن هذا ضعف من جانبهم، ونخبرهم أن الآخرين لن يسكتوا عنهم، ويتنازلون عن حياتهم وممتلكاتهم؛ لأنهم يتنمرون عليهم. أفضل طريقة أعتقد هي عندما نحذر أولادنا من أن يصبحوا متنمرين، ونخبرهمبطريقة مهذبة وواعية أن الآخرين لا يقبلون التنمر، ولن يسكتوا عنه، وأنهم غير ملامين وأنه بكل تأكيدأمهاتهم  وآبائهم سيساندونهم.

الطفل بطبيعته ذكي، وسيفهم أنه له نفس الحقوق في الدفاع عن نفسه.

ثالثا يجب أن نخبر أولادنا أننا نساندهم، وأن أبوابنا مفتوحة لهم، يستطيعون إخبارنا بما يجري لهم دونعقاب.

بعض الآباء يعتبرون شكوى أولادهم نوع من الضعف، فيؤنبونهم كثيرا حتى يفضل الأولاد عدم الشكوى .

يجب أن يعلم الأب أو الأم أن الطفل يشتكي ليس لأنه ضعيف، ولكن لأنه يريد الدعم النفسي. نعم ندعمهنفسيا، ونخبره دافع عن نفسك. أنت تستطيع، لا تسكت، حاول وإذا لم تستطع فأخبر المدير. يجب أنيتعلم الطفل استخدام المصادر المتوفرة لديه فإذا لم يجد حلا؛ هنا نتدخل شخصيا.

٨لو تعرض أولادنا للتنمر فما واجبنا نحوهم ؟وكيف نعالج آثاره النفسية المدمرة ؟

لا توجد آثار نفسية مدمرة. هي آثار نفسية وكفى. الطفل يريد أن يعرف أن والديه معه ويساندانه، وأنهممتفهمين لما تعرض له من أذى. ثم بعد ذلك يجب أخذ الطفل بتدرج نحو التعبير عن أفكاره، والاعتمادعلى نفسه في أموره اليومية، والاعتراف له بأنه مميز لأنه يعتمد على نفسه، وأنه نجح في هذا الأمر. باختصار يجب أن نحوله إلى شخص ناجح على حسب مستواه وقدراته. لا يوجد علاج أفضل من النجاحوبكل تأكيد الحب. أيضا يجب الابتعاد كليا عن التنمر؛ لأن أكبر المتنمرين هذة الأيام هم الوالدين. يتنمرون دون علم أو  وعي. يظنون أنها مزحة.

على شبكة أبرك للسلام كتبت الكثير من المقالات حول علاج الآثار النفسية سواء للتنمر أو غيره منالمخاوف. لكن اختصارًا العلاج هو الحب أولا، وثانيا تقوية الطفل وتعويده على النجاح في إدارة أمورهالشخصية.

٩هل يجب تدخل أولياء الأمور بأنفسهم للتعامل مع الطفل المتنمر على أولادهم ؟ أم نقدم نصائحلأطفالنا ونتركهم يقوموا بصد ذلك العدوان عن أنفسهم مع متابعتهم  ؟

الاثنان معا. نتدخل إن كان الاعتداء كبيرا. يجب أن يعلم الطفل أننا نقف إلى جانبه ،ونسانده في جميعالأوقات. أما الاعتداءات الطفولية والبسيطة فنترك له فرصة لتقوية أعصابه بالتعامل معها بنفسه، ونحننقدم له التوجيه من بعيد، فإذا نجح شجعناه وباركنا له نجاحه.

١٠كيف نقوم من سلوك المتنمر ليعود شخصا صالحا فى المجتمع؟

نقوم من سلوكه عن طريق ردعه ومنعه من الاعتداء على الآخرين. هو يتنمر لأنه لم يجد من يردعه ويردعدوانه. هذا هو كل شيء. صديقيني رانيا؛ كل ما يدعيه المتنمر من أمراض نفسية كذب. عندما يوجد منيتصدى له يعود إلى رشده. المشكلة الآن أنه لا يوجد الكثير من الناس الذين يريدون التصدي للمتنمرين. يبدو أن سوء الأخلاق له قيمة عالية في مجتمعاتنا.

١١يعتقد البعض أن لو طفل دافع عن نفسه ضد التنمر بنفس أسلوب المتنمر فلن يتغير شيىء فىالمجتمع !وستظل المشكلة قائمة فما قولك فى ذلك ؟

-هل أواجه الدبابة بعلبة كلينكس؟ كل طبع وله طريقة تعامل. المعتدي يجب ردعه ورد عدوانه. مبدأبسيط جدا. عموما الضعيف لا يستطيع إنتاج القوة، ولذلك يركن للأساليب الضعيفة وهذا ما يعقدالمشكلة أكثر. قلنا في البداية أن التنمر هو حالة يعتدي فيها الفاشل على العاجز، فإذا بقي العاجز عاجزاسيستمر التنمر. هناك من يتحدث عن التنمر وكأنه حق والضحية على باطل فيجب أن تراعي المتنمر. دائما الضعفاء سيرشدونك إلى المزيد من الضعف.

١٢سؤال يؤرق عددا كبيرا من الناس: كيف يتعامل الشخص البالغ مع المتنمر إن ًكان  المتنمر أحد الوالدين  أو  الأجداد أو من له سلطة علينافى الحياة والعمل ؟

لا أحد له سلطة علينا في الحياة أو العمل. نحن نمنحهم السلطة والمكانة. أكثر المتنمرين هم منالبالغين؛ الذين يصل تنمرهم إلى حد الجريمة في بعض الحالات المتأخرة. الوالدين بشر في نهاية الأمروهما محاسبين على سوء سلوكهم. نسمع كثيرا عن عقوق الأبناء ،ولكن لا أحد يتكلم عن جرائم الآباءوالأمهات. في السجون يوجد الكثير من الآباء والأمهات. لماذا لم تتركهم الدولة ماداموا يقعون تحتمسمى والدين؟ هذا لأن الحق حق ،وعلى كل إنسان أن يعرف حدوده. من خلال خبرتي في هذا المجالأستطيع أن أؤكد أن الوالدين يتراجعون عن غيهم عندما يدافع الأبناء عن حقوقهم ومكانتهم. عندما تأتيبشخص مهزوز الشخصية وتمنحه سلطات واسعة، وتوليه أمر الناس ،فمن الطبيعي أن يتحول إلى متنمر،وهذا حال الكثير من الآباء والأمهات ،وبما أن ما يقومان به لا يرتقي إلى مستوى الجريمة، فهذا يعنيالتعامل معه يكون ضمن حدود البيت. على الأولاد والبنات الدفاع عن أنفسهم والمطالبة بحقوقهم وهناتختلف الأساليب. بعض العائلات راقية، ويكفي الإنسان أن يعبر عن انزعاجه أو حزنه فتجد الوالدين بمايحملانه من رأفة وحب يتراجعان ويصححان الوضع، وفي بعض العائلات شديدة الهمجية يحتاج الأولادإلى استخدام أساليب أكثر تأثيرا، كالمقاطعة أو إظهار الزعل الشديد، أو عدم التعاون، أو الخروج منالبيت، أو العصيان، أو حتى إبلاغ الشرطة.

كثير من قضايا التنمر والاعتداء لم تجد حلا إلا عندما وصل الأمر للشرطة أو القضاء.

١٣التنمر الإليكتروني يعتبر أحدث أنواع التنمر فكيف نستطيع تحجيمه خاصة بعدما تسبب فى حالات انتحار في العام الماضي؟

التنمر الإلكتروني حاله حال بقية أنواع التنمر ،لكن أفضل طريقة وجدتها هي الحجب. أحجب أكبر عددمن المتنمرين حتى لا يجدون ما يتابعونه. هكذا بكل بساطة. لا تناقش المتنمر، ولا ترد عليه، ولا تمنحهمكانا على صفحتك.

أحظر بلا تردد، أبدا لا تدخل في نقاش مع المتنمر، فقط احظر تواجده على أي منصة تستخدمها ،وستجدبأن بقية المتنمرين يرتدعون. أعتقد أنني حظرت الآلاف من المتابعين ،والآن صفحتي نظيفة ولا يوجدفيها إلا الأشخاص المتوازنين. هناك ملايين الأشخاص الطبيعيين والمتوازنين فلا داعي للقلق عندمانتخلص من المختلين.

١٤وأخيرا ما هي آمال حضرتك المرجوة من هذه المبادرة ؟ وما هو الدور الذى يجب على الدولة القيام به للقضاء أو للحد من هذه الظاهرة؟

آمالي بسيطة. القضاء على التنمر والمقصود به تنمر الكبار. البعض يعتقد أن الأطفال متنمرين ولكنالتنمر في عالمنا العربي هو سلوك عام، يعاني منه الكبار قبل الصغار. أتمنى أن تمتد المبادرة لتشمل كلالجهات الرسمية وغير الرسمية المهتمة بالأمر، لكن أملي في الأفراد أكبر. يبدو أن الجهات الرسميةمازالت تغط في سبات عميق.

على الدولة أولا أن تسن القوانين الواضحة والصريحة لحماية كل مواطن من اعتداءات المواطنينالآخرين. عندما يعتدي مواطن على الآخر فقط لأن الأول أب أو أم والثاني ولد أو بنت فهذا غير مقبول. يجب أن تحمي الدولة الطفولة ولا تقبل أن ينتج الآباء والأمهات مواطنين ضعفاء.

ثانيا؛ على الدولة أن تستخدم وسائل الإعلام لمناقشة الأمر ،وإنتاج أفلام أو مسلسلات تعالج القضيةبأعمال فنية مختلفة ومتفاوتة في التركيز والذوق والنوعية. وأخيرا يجب أن تعمل الدولة على تطويرثقافة المجتمع من جميع النواحي. لا يجب أن تقبل أي دولة بوجود مواطنين رعاع. التنمر يمثل قمة جبلالجليد وعلى المختصين العمل بجد في هذا الجانب؛ لأننا فعلا شعوب تحتاج لرفع ثقافتها، ووعيها إنأرادت الحفاظ لها على مكان بين الأمم. المستقبل لن يرحمنا إن استمر الحال على ما هو عليه الآن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى