
بقلم السيد عيد
زمان، كانت مستشفى العباسية للصحة النفسية رمز الرحمة للفقراء. تدفع جنيه واحد، تكشف، تلاقي دكتور يسمعك، سرير يضمك، وأحيانًا حتى شاي الصبح. لكن دلوقتي، الظاهر إن الشاي بقى كابتشينو، والسيراميك اتبدل برخام إيطالي، لأن أسعار الإقامة والكشف قفزت قفزة أرنب على الترامبولين.
الكشف اللي كان بجنيه بقى يطلّع لك لسانه ويقول: “هات 200، وحبّة كمان لو عايز علاج كلام أو جلسة نفسية”. أما الإقامة اليومية فبقت ما بين 4500 جنيه للدرجة الثالثة، 9000 للدرجة الثانية ، 11500 جنيه للدرجةالاولي، والتحاليل 1500 جنيه وكأنك نازل أوتيل خمس نجوم، مع إن الحقيقة أقرب لفيلم أبيض وأسود بطولة إسماعيل يس.
القرار الجديد بيقول ببساطة: “اللي معهوش ما يلزموش”. يعني لو جالك اكتئاب بسبب الغلاء، أو انهيار عصبي من الزحمة، مش مهم. إقعد في البيت، واحضن مخدتك، وربنا معاك. المريض النفسي أو المدمن اللي عايز علاج، لازم يجهز شنطة فلوس الأول، قبل ما يجهز شنطة هدومه.
قال كابتن مجدي حسن، المشرف على النشاط الرياضي سابقًا بالمستشفى:
“لا يجوز زيادة الأسعار بهذا الشكل، فماذا يفعل المريض؟ ومن أين يأتي بهذه الأموال؟”
ثم ضحك بحزن وأضاف: “هو إحنا بنعالج المرض ولا بنصنعه؟”.
المسؤولين بيقولوا إن “الخدمات المجانية لسه موجودة”. آه، موجودة زي الديناصورات… في المتاحف. كل حاجة بقت بسعرها، من المرتبة الهوائية لحد التمريض في اليوم. المريض بقى بيعمل حسابه: “أجيب العلاج، ولا أبيع التلاجة؟”.
لو فضلنا ماشيين كده، ممكن نلاقي قريب لافتة على باب العباسية مكتوب عليها: “للأثرياء فقط – الفقراء مرحب بهم في قسم الزيارة السياحية”.
في النهاية، الصحة النفسية مش رفاهية، وحق العلاج مش هدية من الحكومة، ده حق أصيل لأي مواطن، حتى لو كان مش قادر يدفع. لكن يبدو إن العبارة الجديدة اللي لازم نعلّقها على باب المستشفيات هي: “العلاج للأغنياء، والصبر للفقراء”.