الأربعاء 2 ربيع الثاني 1447 | 24 - سبتمبر - 2025 - 7:20 ص
الرئيسيةدينيبهدوء وحيادية، الحضارة الشرقية أم الحضارة الغربية؟ 

بهدوء وحيادية، الحضارة الشرقية أم الحضارة الغربية؟ 

بقلم: د. فرج العادلي

في الفترة الأخيرة جذب انتباهنا صبُّ بعض الناس من المثقفين نحو حضارة الغرب, وحق لهم ذلك, لأنهم يرون في الغربيين تقدما, وحضارة, ورُقيا, ومساحة خاصة لكل شخصٍ لا يتعدى أحدٌ حدودها، سواء كان الطرف الثاني يتفق أم يختلف, يحب ذلك الفعل أم يكرهه, يرضى أم يغضب , وكذلك جمعيات الرفق الإنسان و والحيوان و…

وعلى الشاطئ الآخر، شاطئ البلاد العربية والإسلامية يرون تأخرًا، وتخلفًا, ويرون أناسا قد تركوا كل شيء وتفرغ كل واحدٍ للآخر, محاربة، أو منافسة غير شريفة, أو تدخلا في شؤونه بل في أعماق نيته وتفسيرها حسب رغباته , وأضعف الإيمان عنده أن يشوه صورته في ظهره, ثم يرى التشدد، والتطرف, والطيش، والتهور, وتعميق العاطفة في الأمور كلها, وإهمال العقل قدر المستطاع…

هذا ما يراه بعض الساخطين في مجتمعاتنا وأنا اتفق معهم في كثيرٍ من هذا وذاك, لكن نريد في أسطرَ محدودة أن نقارن بين الغرب كحضارة, وبينا الإسلام كدين وليس كمسلمين، ولكم الحكم.

لكن قبل كل شيء علينا أن ننظر إلى الرُقَع التي يعيش عليها بعضُ الناس, والمواقع الجغرافية لكل شعب من الشعوب, سنجد أن الناس يشتركون في الثقافة، وفي طريقة معالجة القضايا بقطع النظر عن اختلاف الدين في تلك البقاع, فالقضية أحيانا بل غالبا ما تكون موروثا ثقفيا غلب على الدين، بل في بعض الأماكن والأقاليم حتى وقتٍ قريبٍ غلب حتى على القوانين, (ويحمد للدولة هذه الأيام فرض هيبتها على هذه الأماكن) هذه واحدة.

الثانية: علينا أن نقارن بين ماضي الحضارتين, وننظر هل كان التخلف والتقدم صديقا لأحدى الحضارتين منذ النشأة أم أنها تزدهر أحيانا, وأحيانا تنطفئ , تتقدم أحيانًا, وحيانا تتأخر, تقوى أحيانا وأحيانا تضعفُ, ولتكن المقارنة صادقة وحقيقية، علينا أن نقارن الحضارة في عصور مختلفة، بل في بقاع ورقاع وأعراق وأجناس مختلفة.

أخيرًا المقارنة:

إذا نظرنا لأخلاق الإسلام سنجد في صميم شريعته احترام العقيدة من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر, وسنجد أن خير الأعمال سرور ٌ تدخله على مسلم, وشره (بمفهوم المخالفة) حزن تدخله على مسلم, أو قل على إنسان, وستجد التمس لأخيك سبعين عذرا , يعني تسامحه دون أن تسأله وتعدد له الاحتمالات التي أخطأ بسببها، وتقول في نفسك لعله فعل كذا من أجل كذا… حتى نهاية السبعين, ولا تسأله عن سبب تصرفه, فإنك إن سألته ساعتها لم تلتمس له العذر في عرف الشرع,

كذلك أن تبتسم في وجه أخيك وهي صدقة, وأن تلقي عليه السلام عرفته أم لم تعرفه, أن تستره إن أخطأ, وتتجاوز عن ذلك الخطأ وتصفح, تواريه بثوبك وإن كان يزني, تخيل!, وبعدها في وقتٍ مناسبٍ تنصحه برفقٍ وبأدب النصيحة, (طبعا المجتمعات الآن تراه ديوثا, والدياثة متعلقة بالأهل فقط أن يرى فيهم الفاحشة ويرضى بها أو يشجع عليها لا غير الأهل,

كذلك تحريم الغيبة بحق وبغير حق إلا إذا كانت لمصلحة معتبرة كالشكوى أو التحذير لئلا يغتر به الناس فيقعون فريسة له, ويلحق بهم الضرر البالغ, أما من أجل الانتقاص والتشويه فحرام حتى وإن كان كل ذلك فيه فعلا ( انظر للمساحة التي تعجبنا في الغرب) مقدارها مرّات ومرّات في الشرق.

كذلك لا يؤمن أحدٌ بات شبعانا وجاره جائعا, يجب على الإنسان أن يكون صادقا, أمينا, وفيا, وينبغي أن يكون كريما, حليما ظريفا، وأن يحب للغير ما يحب نفسه وإلا فإيمانه في نقصان، كذلك حرم تمنى زوال النعمة وحلول النقمة، والغل والحسد..

أن تنزل الناس منازلهم, وتقيل عثرة ذوي الهيئات, لأنهم يعاقبون أنفسهم بعد الخطأ أشد العقاب..

ديننا يأمر بإقامة السبلُ للناس والحيوان والطير وأخبرنا أن من يطعم الحيوانات أو الطيور أو يسقيه، فإنه يكون له صدقة, فضلا عن سقي الإنسان,

وعلمنا أن نحسن إلى كل الناس حتى الحيوان, وأن الله يحب المحسنين, وقد ذكر القرآن أن سيدنا سليمان حول مسار جيش من أجل نملة كانت تصرخ في قبيلتها خوفا من تدميرها, وأن إيذاء البعوضة بغير سبب لا يجوز,(ولذلك بكى بعض الصالحين أن تعلقت بثوبه حشره وأبعد بها عن خليتها بغير قصد وظن أنه بهذا آذاها ! … حتى الحروب, لا يقتل طفلا، ولا شيخا مسنا, ولا امرأة، ولا عابدا, ولا مزارعا, ولا صانعا, ولا نقطع شجرا ولا نهدم جدارا … ولا تقل لي التاريخ يتحدث بعكس ذلك, لأني سأقول وقتها هذا التاريخ وليس الشريعة، ولقد فرقنا بين الدين وأتباعه, ولا تحاسب الدين على شيء عنده مجرمٌ أصلا, وفعله بعض من خالف الدين واستحق العقوبة.

ديننا علمنا أن لا نزعج نائما حتى ولو بتلاوة القرآن فإنه حرام , ولا تقل لي انظر للمكبرات في المساجد فليس ذلك من الدين, (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها)

علمنا التضحية من أجل الوطن, ومن أج الغير, وأمرنا بإعمار الأرض، حتى وإن قامت الساعة, ديننا يحضنا على العلم من أول لحظة (اقرأ ) علمنا غض البصر, وحفظ اللسان, وستر العيوب, وعدم التدخل في النيات, ولا البحث عن الخفيات, ولا تتبع العورات، وعلمنا أن نشارك الناس أفراحهم وأتراحهم, وعلمنا أن الكلمة الطيبة صدقة , وأن نحسن للوالدين والجيران وزملاء العمل, والقريب والغريب, وأن نستضيف من لا نعرف ثلاثة أيام دون أن نسأله ما الذي يريده,

وعلمنا أن من يسعى على يتيم أو مسكين أو أرملة فخير من الاعتكاف في المسجد النبوي الشريف, وعلمنا أن من وضع لقمة في فم زوجته صدقة, وأن لا نعيب طعامها أبدا، بل إن خير الناس خيرهم لأهله, وأن تربية البنات تربية حسنة وإكرام الفتاة سبب للوقاية من النار, علمنا أن لا نشبع من الطعام، وألا نأكل حتى نجوع, علمنا العبادة والتقرب لله تعالى, وعلمنا أيضا أن الدنيا اختبار فقط, وأن الاختبار يأتي بما يوافق العقل، وأحيانا بما لا يفهمه العقل لا لشيء إلا من أجل قياس مدى الطاعة هل تعبد الله أم تعبد عقلك وقناعتك, نعم جلُّ ما ذكرنا موجود في الغرب, لأن في الغرب مسلمين بلا إسلام وفي الشرق إسلام بلا مسلمين كما قال الشيخ الغزالي, -رحمه الله- طبعا إلا من رحم الله وإلا فإن في الشرق من ترقى حتى دنت أخلاقه بل ارتفعت على أخلاق الملائكة, وأن عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم لخير شاهد على تطبيق الإسلام بصورة عملية،

هذا وإذا كنتم تحبون الغرب فلكم ذلك، ولكن في الغرب حرية الاختيار فاختاروا ما تشاؤون وتركوا الناس يختارون كذلك، وإلا فأنت محبٌ للغرب وأفعالك تنادي أنك من مصميم سويداء قلب بلاد الشرق، فكن نموذجا غربيا في الشرق ، وإلا فما جدوى أن تكون عاشقا لحضارة الغرب، مطبقا حرفيا لحضارة الشرق .

أخيرا هل رأيتم مساحة الشريعة لكل الخليقة؟ فقارنوها، وفرقوا بينها وبين منتهكي حدودها.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا