كتبت ـ مها سمير
أصدرت وزارة الموارد المائية والري المصرية أمس بيانًا رسمياً يتهم فيه المشغل الإثيوبي لسدّ النهضة باتخاذ قرارات متسرعة وغير مدروسة في تصريف المياه، حيث بيّنت أن السنوات القليلة الماضية شهدت موجات مفاجئة من التصريفات التي استنزفت نحو 2 مليار متر مكعب من المياه المخزنة دون مبررات واضحة، مما أثار قلقاً واسعاً حول استقرار الإمداد المائي وتنسيق التشغيل مع الدول المجاورة.
– حسب البيان، فإن يوم 10 سبتمبر شهد تصريفاً مفاجئاً بواقع 485 مليون م³ خلال يوم واحد، وتلاه ارتفاع آخر يوم 27 سبتمبر إلى نحو 780 مليون م³، قبل أن يتراجع التصريف إلى 380 مليون م³ في 30 سبتمبر.
– الوزارة أوضحت أن مثل هذه التذبذبات في معدلات التصريف أدّت إلى انخفاض منسوب السد الإثيوبي بما يقارب مترًا واحدًا، أي ما يعادل تصريف نحو 2 مليار م³ من المخزون، بخلاف التدفقات الطبيعية الفيضانية.
– وتضيف الوزارة أن هذا التصريف الضخم جاء في توقيت حرج، حيث تشهد السودان تأخراً أو اختلافاً في سقوط الأمطار، فيما ارتفع إيراد النيل الأبيض إلى مستويات تفوق المعدل الطبيعي، مما تسبّب في فيضانات مفاجئة ألحقت أضراراً بمساحات زراعية وقري عدة.
كيف استجابت السودان؟
في هذا السياق، وبالفعل فقد اضطرت السلطات السودانية لـ«تجاوز» سد الروصيرص بتصريف الجزء الأكبر من المياه، مع الاحتفاظ بجزء محدود فقط داخل السد، حفاظاً على أمان البنية الإنشائية، بسبب محدودية القدرة التخزينية وعدم قدرة السد على احتواء الزيادة المفاجئة في التصريفات.
السياق العام والتداعيات
هذا التصعيد يأتي في وقتٍ تشهد فيه التوترات بين دول حوض النيل تصاعدًا، لا سيما أن إثيوبيا قد دشنّت رسميًّا سد النهضة في التاسع من سبتمبر 2025 بعد سنوات من الجدل حول آلية التشغيل والتنسيق المائي.
من جهتها، مصر اعتبرت أن تشغيل السدّ وإدارة التصريف تتم من دون التزام باتفاقيات ملزمة أو آليات تنسيق واضحة مع دول المصب، ما يضع البلاد أمام تهديدات مائية قد تؤثر على الزراعة والمجتمعات المعتمدة على مياه النيل.
كما أن السودان يعاني تبعات الفيضانات المتكررة، خاصة وأن تصاعد التصريفات من سد النهضة يأتي في تزامن مع تصريفات من السدود السودانية نفسها، مما يتسبب بارتفاع منسوب النيل وحدوث غمر في المناطق القريبة من ضفافه.
وتقول مصادر مصرية إنه رغم الدعوات المتكررة لبدء مفاوضات ملزمة لتشغيل السد بما يحقق التوازن بين الدول الثلاث، فإن إثيوبيا تحرص على الاحتفاظ بمرونة التشغيل كأداة ضغط تفاوضي.
تصريحات وزارة الري المصرية تسلّط الضوء على اختلاف جوهري في المفاهيم بين الدول الثلاث: من جهة الإدارة الفنية لهيكل ضخم مثل سد النهضة، ومن جهة التنسيق الدولي بين الدول المعنية بمياه النيل. في ظل تأخر التوصل إلى اتفاقيات قانونية ملزمة، يبقى ملف تشغيل السدّ والموازنة بين التنمية والحقوق المائية من أهم قضايا الأمن القومي للدول المعنية.
