د. طارق درويش
استشاري الصحة النفسية والإرشاد الأسري
يشيع بين الناس القول إن الحب أعمى غير أن هذا الوصف لا يصيب الحقيقة في جوهرها. فالحب الحقيقي لا يُعطّل الوعي ولا يُطفئ البصيرة، بل يمنح الإنسان اتزانًا نفسيًا ونضجًا وجدانيًا، ويكون في جوهره مصدر شفاء لا سبب معاناة.
أما الذي يُعمي القلوب والعقول فعلًا، فهو التعلّق المرضي.
وقد لخّص المفكر الراحل الدكتور مصطفى محمود هذه الفكرة بقوله في كتابه في الحب والحياة:
إذا كان الحب لم يشفِ أحدًا إلى الآن فلأننا لم نتعلّم بعد كيف نحب
كثير مما يُسمّى حبًا في واقعنا المعاصر ليس سوى تعلّق مشوّه، ينشأ من فراغ عاطفي أو فقدان للاحتواء أو خوفٍ عميق من الفقد. وفي هذه الحالة لا يصبح الطرف الآخر شريكًا للحياة بل يتحوّل إلى مصدر وحيد للأمان، وكأن الوجود النفسي بات مرهونًا ببقائه.
في التعلّق المرضي يفقد الإنسان قدرته على رؤية العيوب، حتى وإن تكاثرت الأدلة. وإذا غاب الطرف الآخر ولو مؤقتًا اختلّ التوازن الداخلي، وانهارت المشاعر لأن العلاقة لم تُبنَ على وعي واختيار، بل على حاجة واعتمادية.
وهنا يظهر الفارق الجوهري بين نوعين من العلاقات:
الحب الناضج، وهو اختيار واعٍ يقوم على الأمان والاحترام المتبادل دون فقدان الذات؛
والتعلّق المرضي، وهو علاقة قائمة على الخوف والذوبان وربط القيمة الذاتية بالآخر.
ومن هنا تبرز أهمية التمهّل قبل الدخول في أي علاقة عاطفية، لأن التعلّق المرضي كان ولا يزال أحد الأسباب الخفية وراء كثير من الانهيارات النفسية بل وبعض حالات الانتحار بين الشباب، نتيجة فقدان الاحتواء الأسري وضعف الوعي الذاتي وغياب التربية العاطفية السليمة.
فالإنسان الذي لم يتعلّم كيف يحب ذاته أولًا، قد يبحث عن ذاته في الآخر، ويدفع ثمن ذلك فقدانًا للاتزان وربما خسارة النفس قبل خسارة العلاقة.
إن الحب الحقيقي لا يُقيّد ولا يُدمّر،
بل يُنضج، ويُحرّر، ويقود إلى حياة نفسية أكثر وعيًا واتزانًا.
