بقلم: إيمان دويدار
حين نسمع كلمة إدمان، يذهب خيالنا فورًا إلى المخدرات، أو التدخين، أو إبرة تُغيب العقل عن الوعي. لكن الحقيقة الأوجع أن أخطر أنواع الإدمان لا تُباع في الشوارع، ولا تُحقن في العروق، بل تسكن العقول وتستوطن القلوب.
هناك إدمان لا يترك آثارًا على الجسد، لكنه يترك ندوبًا عميقة في الأرواح.
إدمان إيذاء الآخرين بالكلمة، وكأن البعض يجد لذته في تحطيم غيره، في انتقاء العبارات القاسية، وفي إطلاق أحكام جارحة يصعب احتمالها أو نسيانها.
وهناك إدمان التنمّر…
التنمّر على نقصٍ في إنسان، أو على عضوٍ أراد الله سبحانه وتعالى أن يخلقه على هذه الهيئة. ننسى أن الخَلق خَلقُ الله، وأن السخرية اعتراض صريح على قدره، وأن الكلمة الجارحة قد تقتل ببطء دون أن تسيل دماء.
وهناك إدمان التدخل في شؤون الغير، فضول مَرَضي لا يعرف حدًا ولا حرمة.
ينطبق عليه المثل الشعبي البليغ:
“من دخل فيما لا يعنيه، أخذ ما لا يرضيه.”
فليس كل ما نراه حقًا لنا أن نخوض فيه، ولا كل ما نعرفه مباحًا أن نُعلّق عليه.
وهناك إدمان إيذاء الآخرين في حياتهم، في أسرهم، في أعمالهم…
إدمان الغيرة: “أشمَعنى ده عنده وأنا لا؟”
وإدمان الحقد: “إزاي ده عايش سعيد؟”
مشاعر سوداء تأكل صاحبها قبل أن تصيب غيره، وتحوّل القلب إلى سجنٍ مظلم لا يدخله نور الرضا.
كل هذه الأنواع من الإدمان تشترك في شيء واحد:
أنها تفسد الإنسان من الداخل، وتجعله عبدًا لشره، أسيرًا لنقصه، فاقدًا لسلامه.
العلاج ليس في الآخرين…
العلاج أن تُصلح نيتك، وتُراجع نفسك، وتُهذّب لسانك، وتُحسن ظنك، وتدرك أن راحة القلب نعمة لا ينالها من آذى غيره.
وفي النهاية،
ليست القوة في أن تؤلم،
ولا في أن تسخر،
ولا في أن تحقد،
بل في أن تعفو، وتُمسك لسانك، وتترك ما لا يعنيك.
الإدمان القاتل
241
المقالة السابقة
