بقلم : أحمد رشدي
في إطار حرص الدولة على صون التراث الحضاري وحماية الذاكرة التاريخية للأمة، شدد قانون حماية الآثار من إجراءاته الرادعة ضد كل أشكال التعدي أو الاستغلال غير المشروع للمواقع والمتاحف الأثرية، واضعًا منظومة قانونية حاسمة تهدف إلى إنهاء مظاهر الفوضى والعبث، وردع كل من تسول له نفسه المساس بالإرث الحضاري المصري.
وقد نصت المادة 44 مكرر من القانون على معاقبة كل من يخالف الأحكام المنظمة لحماية المواقع الأثرية بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة مالية تتراوح بين خمسين ألفًا ومائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، مع الحكم بمصادرة الأثر المضبوط، وكافة الأدوات والمركبات التي استُخدمت في ارتكاب الجريمة، لتؤول جميعها إلى المجلس الأعلى للآثار، تأكيدًا على جدية الدولة في مواجهة هذه الجرائم وعدم التهاون فيها.
وفي السياق ذاته، منحت المادة 5 مكرر المجلس الأعلى للآثار الحق الكامل في إزالة أي مخالفات قائمة داخل نطاق المواقع الأثرية، سواء تمثلت في مبانٍ سكنية أو أنشطة تجارية أو صناعية، كما حظر القانون تواجد الباعة الجائلين أو المركبات أو الدواب داخل المواقع والمتاحف الأثرية، إلا في حدود ضوابط صارمة تصدرها اللائحة التنفيذية، بما يضمن الحفاظ على قدسية هذه الأماكن وحمايتها من أي تشويه بصري أو بيئي.
ولم يغفل القانون تنظيم أعمال البعثات الأجنبية العاملة في مجال التنقيب، حيث شددت المادة 34 على التزام هذه البعثات بترميم وصيانة ما يتم الكشف عنه من آثار بصورة فورية وتحت الإشراف الكامل للجهات المختصة، مع ضرورة ربط خطط التنقيب بخطط موازية للترميم أو المسح والتسجيل الأثري، إلى جانب خضوع جميع أعمال البعثات لتقييم اللجنة الدائمة المختصة، بما يضمن أعلى درجات المهنية والانضباط العلمي.
وأكدت المادة 35 بشكل قاطع أن جميع الآثار التي يتم اكتشافها بواسطة البعثات المصرية أو الأجنبية تُعد ملكًا خالصًا للدولة، دون أي استثناء، ترسيخًا لمبدأ السيادة الوطنية على التراث الأثري. كما أولى القانون اهتمامًا بحماية الملكية الفكرية للآثار المصرية، حيث نصت المادة 36 على خضوع النماذج والصور الأثرية لقوانين الملكية الفكرية والعلامات التجارية، حمايةً لها من الاستغلال التجاري غير المرخص، وأجازت المادة 36 مكرر للمجلس الأعلى للآثار إنشاء وحدات إنتاجية خاصة لدعم أهدافه في حماية وصون الآثار.
بهذه المنظومة التشريعية المتكاملة، يبعث قانون حماية الآثار برسالة واضحة لا لبس فيها: التراث المصري خط أحمر، والاعتداء عليه جريمة لا تسقط بالتقادم، ولن يُسمح بعد اليوم بالمساس به تحت أي ذريعة.
