د.نادي شلقامي
تُعد الأسرة اللبنة الأولى في بناء المجتمع، واستقرارها يعتمد بشكل أساسي على قيم المودة والسكينة. ومع ذلك، تبرز ظاهرة “عناد الزوجة” كواحدة من أعقد التحديات السلوكية التي تعكر صفو الحياة الزوجية، حيث تتحول من مجرد سمة شخصية إلى عائق يعطل لغة الحوار. يستعرض هذا التقرير أبعاد هذه الظاهرة من زوايا نفسية واجتماعية، مع بيان الرؤية التأصيلية لمشايخ الأزهر الشريف، وصولاً إلى الحلول العملية وآثارها على ديمومة الأسرة.
أولاً…التوصيف النفسي والسلوكي (جذور المشكلة)
يحلل خبراء علم النفس العناد بوصفه “ميكانزم دفاعي” أو وسيلة تعبير غير ناضجة، وتتلخص أسبابه في:
1- تأكيد الذات المفقود: تلجأ الزوجة للعناد عندما تشعر بأن رأيها غير مسموع، فتريد إثبات وجودها عبر الرفض والممانعة كرسالة صامتة لطلب التقدير.
2- الإسقاط النفسي: قد يكون العناد نتيجة لضغوط خارجية أو إحباطات متراكمة لا علاقة للزوج بها، لكنها تظهر في التعامل معه كنوع من تفريغ الشحنات العاطفية.
3- النشأة والتربية: قد يكون السلوك محاكاة لنموذج الأم في الطفولة، أو نتاج تربية لم تعتد على مبدأ التنازل والمشاركة.
ثانياً… التحليل الاجتماعي (تأثير البيئة)
يركز علماء الاجتماع على أن العناد الزوجي يشتد نتيجة عوامل محيطة وتغيرات في بنية المجتمع:
1- الندية المجتمعية: غياب ثقافة “التكامل” وحلول ثقافة “الندية” التي تروج لها بعض التيارات المعاصرة، مما دفع البعض لخلط الاستقلالية بالتمرد.
2- التدخلات والمقارنات: تأثر الزوجة بنصائح خارجية غير مدروسة أو المقارنة مع نماذج غير واقعية على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يحفز رغبتها في التحدي لضمان عدم “الضعف” أمام الزوج.
ثالثاً…التقويم الشرعي (منظور مشايخ الأزهر الشريف)
يضع علماء الأزهر الشريف ميزانًا دقيقًا للتعامل مع هذه الظاهرة بناءً على الشريعة الإسلامية:
1- القوامة رعاية لا تسلط: يشدد علماء الأزهر على أن القوامة في الإسلام تعني الرعاية والاحتواء، وليست وسيلة للقهر. العناد من جانب الزوجة يُعتبر خروجاً عن مقتضى السكن إذا كان في غير معصية الله.
2- منهج الإصلاح المتدرج: اعتبر الشرع العناد المستمر الذي يعطل الحياة الزوجية نوعاً من “النشوز”، ووضع له خطوات علاجية تبدأ بالوعظ والكلمة الطيبة، ثم الهجر الهادف، ثم التحكيم من ذوي الحكمة.
3- الرفق كأساس للمعاملة: ينصح المشايخ دائماً بالرفق، مستشهدين بقول النبي ﷺ: “ما كان الرفق في شيء إلا زانه”، مؤكدين أن هدم البيوت بسبب العناد من أبغض الأمور.
رابعاً: الآثار الجانبية للعناد على ديمومة الحياة الزوجية
لا يتوقف ضرر العناد عند حدود الموقف العابر، بل يمتد ليشكل مخاطر هيكلية:
1- تآكل الرصيد العاطفي: يولد حالة من “الفتور الوجداني”، حيث يحل محل المودة شعور بالنفور والترقب.
2- اتساع الفجوة الفكرية (الخرس الزوجي): يلجأ الزوج للانسحاب والصمت لتجنب التصادم، مما يقتل لغة التفاهم المشتركة.
3- استنزاف الطاقة النفسية: العيش في بيئة مشحونة بالتحدي يضع الطرفين تحت ضغط عصبي مستمر يؤدي لمشاكل صحية ونفسية مزمنة.
خامساً: آليات المعالجة وإستراتيجيات الحل
تتطلب مواجهة الظاهرة منهجية تجمع بين الحكمة والالتزام الأخلاقي:
1- إرساء ثقافة الحوار التشاركي: تحويل العلاقة من صيغة “الأوامر” إلى “الشورى”، مما يشعر الزوجة بقيمتها ومسؤوليتها.
2- الاحتواء والذكاء العاطفي: استخدام “الكلمة الطيبة” لامتصاص الغضب، واختيار الأوقات الهادئة لمناقشة السلوكيات المرفوضة بعيداً عن لحظة العناد.
3- الوضوح والمصارحة: الحديث المباشر عن أثر العناد على مشاعر الطرفين وعلى مستقبل الأسرة بدلاً من سياسة الصمت العقابي.
4- حفظ خصوصية الخلاف: منع الأطراف الخارجية من التدخل، وحصر المشكلة في إطارها الزوجي لضمان عدم تعقيدها.
وختاما…فإن علاج عناد الزوجة لا يتحقق بصراع الإرادات، بل بالفهم العميق للدوافع والتقويم الحكيم للسلوك. فإذا اجتمع الاحتواء النفسي مع الالتزام بالضوابط الشرعية والرفق النبوي، تلاشت روح التحدي وحلت مكانها روح المودة والرحمة، بما يضمن استقرار البناء الأسري وصموده أمام تحديات الحياة.
