د حمدان محمد
في زمن كثرت فيه الماديات وقلّت فيه القيم نرى مشاهد تقطع القلب وتدمي الفؤاد آباء وأمهات أفنوا أعمارهم في تربية أبنائهم سهروا وتعبوا وضحوا بالراحة والمال والصحة لأجلهم فإذا كبروا وضعفوا وكانوا في أمسّ الحاجة إلى الرحمة قابلوهم الأبناء بالجحود والنكران وكأنهم لم يُربّوا ولم يُضحّوا فيا من تنكر فضل أبيك هل نسيت من كان يعمل ليلًا ونهارًا ليوفر لك لقمة العيش؟
هل نسيت يديه المتشققتين من العمل ليشتري لك ثوب العيد ؟
هل تناسيت كم مرة تحمل ألم الجوع والتعب ليشبعك ويسعدك؟
قال تعالى…
(وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) فجعل الإحسان إليهما بعد توحيده وهذا دليل على عظم حقهما خاصة عند الكبر حين تضعف أجسادهم وتزداد حاجتهم للدعم النفسي والجسدي والمالي وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم (يسأله
يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك)
فانظر كيف عظّم النبي صلى الله عليه وسلم بر الوالدين وخصوصًا الأم ثم الأب
فلو كانت الأم الجنة تحت أقدامها!!!
فالوالد أوسط أبواب الجنة!!!
أما من يظلم والديه أو يتخلى عنهما عند المرض والكبر فقد توعده الله بعقاب أليم في الدنيا قبل الآخرة
(قال النبي صلى الله عليه وسلم
كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإن الله يعجل لصاحبه في الحياة قبل الممات)
فوالله ثم والله سترى أثر هذا العقوق في الدنيا والآخرة فكم من ولد عقّ والده فحرم البركة في عمره أو ماله أو أولاده وذاق الذل والهوان في آخر عمره جزاء وفاقا
والولد هنا يطلق على الذكر والأنثى
بل الأعجب أن هناك من يتذرع بحجج واهية ليُقصّر في بر والديه يقول لا وقت لدي أو أبي كان شديدا أو أمي كثيرة الطلبات وتناسى أن الجنة تحت أقدامها وأبوه أوسط أبواب الجنة وأن بر الوالدين ليس مشروطا بطيب طباعهم بل هو واجب شرعي عظيم لا يسقط بأي حال من الأحوال فمن يترك والديه لأجل راحته أو زوجته أو حياته الخاصة فليعلم أنه اختار طريق الشقاء في الدنيا والنار في الآخرة إلا أن يتوب ويرجع ويطلب العفو ممن أعرض عنهم وهو أقرب الناس إليه
والمصيبة العظمى لو كان يعلم هذا العاق بأن ما يفعله مع أبيه أو أمه وتركهم وهم في أمس الحاجة إليه وهو يعلم بأن هذا من العقوق ويفعله
فبهذا إرتكب چرمين كبيرين وإثمين عظيمين
1/إثم العقوق
2/إثم العلم بأنه عاق ويفعل العقوق
ألا تستحي أيها العاق
هل جزاء من ربّاك صغيرًا أن تهينه كبيرًا؟
هل تُنسى الليالي التي سهرها وهو بجانب سريرك؟
هل تُردّ يداه المرتعشتان وهو يطلب المساعدة أو الدواء؟
يا من هجرت والدك أو تركته يعاني!!!
تب إلى الله وارجع إليه باكيا باحثا عن رضاه فلعل دعوة منه تفتح لك أبواب السماء وتصلح لك حياتك واعلم أن البر لا يتوقف بمجرد الإنفاق بل بالكلمة الطيبة والابتسامة والزيارة والخدمة والاستماع والرضا والدعاء لهما أحياء وأمواتاوفي الختام لنتذكر جميعًا قول النبي صلى الله عليه وسلم
(رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف قيل من يا رسول الله قال من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة)
هل تعلم لو مات ابوك أو ماتت أمك وأنت عاق
فهذا باب من أبواب الجنة قد أغلق
فلندرك هذا الباب العظيم قبل أن يُغلق فالوالدان لا يعوضهما أحد وبرهما مفتاح للرضا والجنة
ولتعلم يقيناً بأنه كأس وستشرب منه وتتچرع منه فوالله وبالله وتالله ما علمنا وما سمعنا بأن أي إنسان عق أبيه وأمه وعاش حياة طيبة أبدا
بل والله ثم والله ثم والله
سيعيش تعيس بائس فقيراً ذليلا مذلولا
فأرجع قبل أن يفوت الوقت
نسأل الله العافية
وأن يچعلنا بارين بأباءنا وأمهاتنا
