الأربعاء 2 ربيع الثاني 1447 | 24 - سبتمبر - 2025 - 2:57 ص
الرئيسيةملفات و تحقيقاتالتحرش صرخة مكتومة في مجتمع متحفظ

التحرش صرخة مكتومة في مجتمع متحفظ

كتبت: د. إيمان بشير ابوكبدة

يعد التحرش ظاهرة عالمية لا تقتصر على منطقة جغرافية أو ثقافة بعينها، ولكنه في الوطن العربي يأخذ أبعادًا خاصةً تتداخل فيها العوامل الاجتماعية، والثقافية، والدينية، والاقتصادية. يُنظر إليه غالبًا كـ “تابو” أو موضوع محظور يصعب الحديث عنه بصراحة، مما يزيد من صعوبة مواجهته والتعامل معه بشكل فعال. ففي مجتمعات تعلي من قيمة “الشرف” و”الستر”، غالبًا ما يُلقى اللوم على الضحية، وتُصبح قصتها وصمة عار بدلاً من أن تكون دليلاً على جريمة.

أبعاد الظاهرة وتجلياتها

تتعدد أشكال التحرش في الوطن العربي، من التحرش اللفظي الذي قد يبدو “مزحة” أو “مجاملة” في نظر البعض، إلى التحرش الجسدي الذي يتراوح بين اللمس غير المرغوب فيه والاعتداءات الجنسية الصريحة. كما أصبح التحرش الإلكتروني يمثل تهديدًا متزايدًا، حيث تُستخدم وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت لنشر صور، أو تهديدات، أو تعليقات مسيئة.

في المدن الكبرى، تتزايد حوادث التحرش في الأماكن العامة مثل وسائل النقل، والشوارع المزدحمة، والمناطق التجارية. وفي كثير من الأحيان، تُجبر النساء على تغيير مساراتهن أو حتى نمط حياتهن لتجنب التعرض للمضايقات. أما في الأماكن الخاصة، مثل أماكن العمل أو حتى داخل الأسر، يمكن أن يكون التحرش أكثر خطورة، حيث يمارسه أشخاص يثق بهم الضحية، مما يزيد من صعوبة الإبلاغ عنه.

لماذا تستمر الظاهرة؟

تتغذى ظاهرة التحرش في الوطن العربي على عدة عوامل مترابطة:

ثقافة اللوم على الضحية: غالبًا ما يُنظر إلى ملابس المرأة أو طريقة مشيها أو حتى وجودها في مكان معين في وقت متأخر كسبب للتحرش. هذا التفكير يعفي المتحرش من المسؤولية ويضع اللوم على الضحية، مما يثني الكثيرات عن الإبلاغ خوفًا من الوصم الاجتماعي.

الغياب التشريعي والتطبيق الضعيف: على الرغم من أن بعض الدول العربية بدأت في سن قوانين لمكافحة التحرش، إلا أن التطبيق الفعال لا يزال يمثل تحديًا. فكثير من الضحايا لا يثقون في النظام القضائي أو يخشون الإجراءات المعقدة والبطيئة.

التنشئة الاجتماعية: تلعب طريقة تربية الأجيال دورًا كبيرًا. ففي كثير من الأحيان، يُربى الذكور على الشعور بالامتياز، بينما تُربى الإناث على الخضوع وعدم الاعتراض. هذا الخلل في التوازن يؤدي إلى عدم احترام حدود الآخرين.

الفضاء العام غير الآمن: تصميم المدن والأماكن العامة في كثير من الأحيان لا يراعي سلامة المرأة، مما يجعلها عرضة للتحرش.

نحو مجتمع أكثر أمانًا

مكافحة التحرش ليست مسؤولية فردية، بل هي مسؤولية مجتمعية تتطلب جهودًا منسقة. يجب أن تبدأ المعركة بتغيير ثقافة اللوم، وتوفير الدعم النفسي والقانوني للضحايا. كما يجب على الحكومات والمؤسسات المدنية:

تشديد القوانين: سن قوانين صارمة وواضحة تجرم التحرش بجميع أشكاله وتضمن تطبيقها بشكل فعال.

التعليم والتوعية: إطلاق حملات توعية واسعة النطاق في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام لتغيير المفاهيم الخاطئة، وتثقيف الشباب حول مفهوم الموافقة واحترام الآخر.

توفير آليات للإبلاغ: إنشاء آليات سهلة وسرية للإبلاغ عن حوادث التحرش، تضمن حماية الضحايا وعدم تعرضهم للانتقام.

إعادة تصميم الأماكن العامة: العمل على جعل المدن أكثر أمانًا للمرأة، من خلال الإضاءة الجيدة، ووسائل النقل الآمنة، وتواجد الشرطة.

ظاهرة التحرش في الوطن العربي هي صرخة مكتومة يجب أن تُسمع. إنها دعوة للعمل الجاد والمسؤول من أجل بناء مجتمعات أكثر عدلاً، واحترامًا، وأمانًا، حيث يمكن للجميع، بغض النظر عن جنسهم، أن يحيوا بكرامة وحرية.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا