بقلم: صلاح عثمان
إلى كل من لا يزال يؤمن أن الخراب ليس قدرًا، وأن الإنسان ليس تفصيلًا في معادلة القوة:
ثلاث سنوات مرّت منذ أن توقّفت الحياة في عاصمة البلاد،
في فجر السبت، الخامس عشر من أبريل، والناس صيام.
ثلاث سنوات من التهجير، من القصف، من التجميد، من التعتيم،
من دفن الطفولة حيّة،
من إلغاء التعليم،
من تحويل الجامعات إلى أطلال،
ومن تحويل الإنسان إلى رقمٍ في نشرةٍ إخبارية.
هل هذا وطن؟ أم تجربةٌ قاسيةٌ في محو الإنسان؟
النهضة الزائفة: حين يُبنى القصر ويُهدم الإنسان
في هذا السياق، تبرز رؤية الفنان محمد إدريس،
ابن كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية،
الذي لا يصرخ، بل يُشير،
لا يُدين، بل يُضيء.
يقول:
فرعون لم يُقصّر في عمارة الأرض،
كان ذا أوتاد،
قويّ الملك، عظيم المنشآت،
خزائن البلاد عامرة،
قصور، جنات، أنهار، زروع، ثمار…
لكن الله تعالى قال:
” وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ.”
لأنّ النجاح الحقيقي ليس في كنز الأموال،
ولا في بناء الدور والقصور،
ولا في شق الترع والطرق،
بل في بناء الإنسان.
الرشد الإنساني،
هو معيار الصلاح الحقيقي،
لا ما يُقدَّم للعقل بوصفه “نهضة” أو “تقدُّمًا”،
في غفلةٍ تامة عن الإنسان نفسه.
فبناء الإنسان يجب أن يسبق بناء العمران.
هذه ليست عبارة،
بل صرخةٌ فنيةٌ وفكريةٌ وأخلاقية،
من فنانٍ يرى بعين القلب،
لا بعين السلطة.
ثلاث سنوات من التجني: على الطفولة، على التعليم، على الحياة
الطفولة حُرمت من المهد إلى المدرسة،
التعليم الجامعي تعطّل،
هيئات التدريس جُمّدت،
المتدرّبون فقدوا فرصهم،
والخصومة أصبحت نظامًا يوميًّا.
أيُّ ذنبٍ ارتكبته هذه الأجيال؟
أليس هذا هو المعنى الحيّ لقول الله تعالى:
وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ؟
نداء أخير: لا تُراكموا الخراب
إنّ معضلة السودان اليوم ليست في الحرب وحدها،
بل في استمرار وقودها،
في غياب الرؤية،
في دفن الإنسان قبل أن يُبنى،
في تحويل الأمل إلى صريعٍ يُدفن بلا جنازة.
فهل نُعيد النظر؟
هل نُعيد الترتيب؟
هل نُعيد الإنسان إلى مركز المعادلة؟
خاتمة: من أجل بناء إنسان السودان
هذا البيان ليس ختامًا،
بل بدايةُ رفضٍ، بدايةُ وعي، بدايةُ استعادة الإنسان.
فلنُعيد تعريف النجاح،
ولنُعيد بناء الإنسان.
الإسكندرية 27 سبتمبر 2025م