د.نادي شلقامي
مصر تُضيء القارة العجوز: كابل بحري عملاق يرسم خريطة الطاقة الجديدة
ليست مجرد خطوة دبلوماسية أو صفقة تجارية عابرة، بل هي وثبة استراتيجية تُرسي بها مصر مكانتها كـقوة عظمى في مجال الطاقة على البحر المتوسط. في قلب هذه الرؤية يكمن مشروع الربط الكهربائي الأضخم مع أوروبا، حيث يستعد كابل بحري عملاق لنقل 3000 ميغاوات من الطاقة المصرية إلى القارة العجوز عبر اليونان. لقد تجاوزت القاهرة مرحلة التخطيط الهادئ؛ بتوقيع اتفاقية التعاون الجديدة لإنهاء الدراسات الفنية والاقتصادية، التي تمولها منحة سخية من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية وتنفذها مجموعة كوبلوزيس اليونانية، تكون مصر قد ضغطت زر التشغيل الفعلي لـأضخم جسر للطاقة يربط شمال أفريقيا بقلب أوروبا. هذا المشروع لا يهدف فقط إلى تصدير الكهرباء، بل إلى إعادة تعريف دور مصر على المسرح العالمي للطاقة النظيفة والمتجددة.
يأتي الاتفاق امتدادًا لمذكرة التفاهم الموقعة في أكتوبر/تشرين الأول عام 2021، لمد كابل كهربائي ينقل 3 آلاف ميغاوات من الطاقة المتجددة المولدة من مشروعات للطاقة الشمسية وطاقة الرياح في مصر إلى أوروبا عبر اليونان، ويستهدف تنفيذه خلال ما بين 3 إلى 4 سنوات، وفق تصريحات صحفية لوزير الكهرباء.
من المقرر أن تتولى الشركة اليونانية المنفذة للمشروع، إنشاء محطات طاقة رياح بقدرة 6 غيغاوات وأخرى للطاقة الشمسية بقدرة 3.5 غيغاوات في مصر لتوفير تغذية كابل بحري بالطاقة الخضراء إلى اليونان، لتلبية احتياجات الصناعة اليونانية وإنتاج الهيدروجين الأخضر مع توجيه جزء منها إلى دول الاتحاد الأوروبي، بما يسهم في خفض استهلاك الغاز الطبيعي بمقدار 4.5 مليار متر مكعب سنويًا، وتحقيق خفض في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 10 ملايين طن سنويًا، بحسب بيانات رسمية مصرية.
وقال رئيس هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة الأسبق، محمد السبكي، إن مشروع الربط الكهربائي مع أوروبا يمثل خطوة استراتيجية نحو تقليل الاعتماد على مصادر طاقة واحدة، ما يساهم في تقليل فرص انقطاع الكهرباء، كما أن المشروع يفتح المجال لتصدير الطاقة المتجددة من مصر إلى الخارج، مما يعزز تنافسية البلاد في جذب الاستثمارات لإنشاء مشروعات في الطاقة المتجددة.
وتسعى مصر لأن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة، يربط بين أسواق الطاقة في أفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط بفضل الموقع الاستراتيجي ومشروعات البنية التحتية الأساسية، مُستغلة مشروعات الربط الكهربائي القائمة مع دول الجوار، مثل السودان وليبيا والأردن، والمشروعات الجاري تنفيذه للربط مع السعودية والمستهدف تشغيله هذا العام، ومع دول الاتحاد الأوروبي من خلال اليونان وإيطاليا.
وأضاف السبكي، في تصريحات خاصة أن إنشاء خطوط ربط كهربائي مع الدول المجاورة له أهمية كبيرة في تعزيز الروابط الاقتصادية وزيادة أمان الشبكات الكهربائية، كما توفر هذه الروابط فرصًا جديدة لإنشاء محطات الطاقة المتجددة، ما يسهم في تقليل المخاطر الجيوسياسية، مشيرًا إلى أنه إذا كانت هناك خطوط لربط تصدير الغاز من الجنوب إلى الشمال، فإن ذلك كان سيوفر بديلاً للغاز الروسي إلى أوروبا، مما يساهم في تقليل تداعيات المخاطر الجيوسياسية على الأسواق الأوروبية.
في الوقت نفسه تستهدف الحكومة زيادة قدرات الطاقة المتجددة إلى 12 ألف ميغاوات بنهاية عام 2026، إضافة إلى 3350 ميغاوات بطاريات تخزين، على أن يتم زيادة هذه القدرات إلى 20 ألف ميغاوات من الطاقات المتجددة بالإضافة إلى 3600 ميغاوات من الطاقة النووية النظيفة و2400 ميغاوات من الضخ والتخزين بنهاية عام 2029، وفق بيان رسمي.
وأكد السبكي أن مصر تمتلك الإمكانيات اللازمة لتصدير الطاقة المتجددة، بفضل الموارد الطبيعية الوفيرة والبيئة الاستثمارية الجاذبة، لافتًا أن مصر تسعى إلى زيادة قدراتها في الطاقة المتجددة من خلال الطاقة الشمسية والطاقة الرياح، حيث يتم تنفيذ العديد من المشروعات الحالية، كما يجري التفاوض على مشروعات جديدة في هذا المجال، مضيفًا أن هذه المشروعات ستساهم في تعزيز قدرة مصر على تصدير الطاقة المتجددة إلى الأسواق العالمية، في ظل التوسع المستمر في إنتاج الطاقة النظيفة.
