نجده محمد رضا
في قلب شمال تنزانيا، تتلألأ بحيرة ناترون بمشهدٍ طبيعيٍّ يخطف الأبصار ويثير الدهشة في آنٍ واحد مياهها الحمراء اللامعة تبدو كلوحة فنية ساحرة غير أن خلف هذا الجمال الباهر تكمن بيئة قاسية لا يجرؤ على العيش فيها سوى القليل من الكائنات.
تُعد بحيرة ناترون واحدة من أكثر البحيرات قلويةً في العالم، إذ تصل درجة حموضتها إلى مستوياتٍ تشبه الأمونيا، مما يجعلها قاتلةً لمعظم أشكال الحياة. وتتجاوز درجة حرارة مياهها في بعض الأحيان 60 درجة مئوية، وهي ظروف كفيلة بإنهاء حياة أي كائنٍ يدخلها دون مقاومة.
ورغم قسوة طبيعتها، تُعد البحيرة موطنًا فريدًا لطيور الفلامينغو الصغيرة التي تجد فيها ملاذًا آمنًا للتكاثر. فالمياه القلوية، التي تُشكل خطرًا على أغلب الحيوانات، تمنح الفلامينغو حماية طبيعية من المفترسات التي تعجز عن الوصول إلى أعشاشها داخل البحيرة. ومن هنا، تتحول ناترون إلى مسرحٍ سنوي لولادة آلاف الفراخ الوردية، في مشهدٍ يخطف الأنفاس.
اللون الأحمر أو البرتقالي المحمر الذي يميز مياه البحيرة يعود إلى الطحالب الدقيقة التي تنمو في بيئتها شديدة الملوحة. هذه الطحالب لا تُضفي فقط مظهرًا مدهشًا على المكان، بل تُعد أيضًا مصدر غذاء رئيسيًا للفلامينغو، مما يجعل العلاقة بينهما مثالًا مذهلًا للتوازن البيئي في أقسى الظروف.
لكن أكثر ما يثير الرعب والإعجاب في آنٍ واحد هو قدرة بحيرة ناترون على تحنيط الكائنات التي تسقط في مياهها. فبمجرد أن تموت الطيور أو الحيوانات داخل البحيرة، تقوم الأملاح والمعادن، وخاصة كربونات الصوديوم، بتغليفها وتجفيفها بسرعة، فتتحول إلى ما يشبه التماثيل الحجرية. ومن هنا اكتسبت البحيرة لقب “البحيرة التي تُحوِّل الموتى إلى حجارة”.
بحيرة ناترون ليست مجرد ظاهرة طبيعية فريدة، بل هي تحفة جيولوجية وبيئية نادرة، تجمع بين الجمال القاتل والغموض الأبدي. إنها مثال صارخ على قدرة الطبيعة على الجمع بين الحياة والموت في مشهدٍ واحد، لا يمكن للعين أن تنساه ولا للعقل أن يفسّره بسهولة.
