بقلم د.نادي شلقامي
جمهورية مصر العربية نفذت وتنفذ بالفعل العديد من المشاريع الضخمة في البنية التحتية للمياه، الصحراء، والري والصرف لمواجهة التحديات المائية، بما في ذلك أي تغيرات قد تنتج عن سد النهضة الإثيوبي (والتي قد تشمل فترات تدفقات عالية ومفاجئة – كما حدث في بعض المناطق السودانية – أو فترات جفاف). وقد كان الهدف الأساسي من هذه المشاريع هو ترشيد استهلاك المياه، وزيادة كفاءة نقلها، وتوسيع الرقعة الزراعية في الصحراء لتعويض أي نقص محتمل في المستقبل، وأيضًا لزيادة القدرة على إدارة واستيعاب الصدمات المائية سواء كانت فيضانًا أو جفافًا.
يُعد السد العالي هو خط الدفاع الأول والأهم لمصر في إدارة تدفقات النيل، وبخاصة في حالات الفيضانات أو التصريفات العالية والمفاجئة.
إليك تفصيل دقيق لأهم الإجراءات والمشاريع، مع التواريخ والأدلة:
أولاً: السد العالي ومنشآت إدارة الفيضان
1- السد العالي (خط الدفاع الرئيسي):
أ- الأهمية: يعتبر السد العالي (اكتمل بناؤه في 1970) هو المنظم الرئيسي لتدفقات النيل ويحمى مصر من أخطار الفيضانات والجفاف. تبلغ سعته التخزينية حوالي 162 مليار متر مكعب، ويخصص جزء كبير منها (حوالي 30 مليار متر مكعب) للوقاية من الفيضانات العالية، وهي سعة تفوق سعة سد النهضة الإثيوبي (التي تصل إلى 74 مليار متر مكعب).
ب- آلية استيعاب الفيضان: يعمل السد العالي على تخزين أي مياه زائدة في بحيرة ناصر خلفه، ويقوم بفتح البوابات للتحكم في كمية المياه المارة إلى نهر النيل في مصر. في حالات الزيادة الكبيرة والطارئة، يتم تحويل المياه الزائدة إلى منشآت تفريغ أخرى.
ج- الأدلة والتواريخ (في سياق الفيضانات الأخيرة): وردت تقارير (في أواخر سبتمبر 2025) تفيد بأن مصر قامت بـ “فتح بوابات السد العالي” في أسوان لضمان مرور المياه بأمان والحفاظ على كفاءة السد والمنشآت المائية، ومراجعة خطط تشغيل مفيض توشكى، وذلك في إطار مواجهة تغيرات مفاجئة في كميات المياه الواردة من أعالي النيل، وهو ما يؤكد القدرة التشغيلية الفعالة للسد العالي في إدارة التصريفات العالية.
2- مشروع مفيض توشكى:
أ- التاريخ: تم إنشاء مفيض توشكى كجزء من منظومة الحماية للسد العالي (بدأ في 1997).
ب- الأهمية: هو منشأة لتصريف المياه الزائدة عن السعة التخزينية المسموح بها لبحيرة ناصر (عندما يصل منسوب البحيرة إلى 178 مترًا فوق سطح البحر)، حيث يتم تحويل المياه إلى منخفضات توشكى في الصحراء الغربية.
ج- القدرة الاستيعابية: يُعد المنخفض بمثابة خزان طبيعي عملاق في الصحراء قادر على استيعاب كميات ضخمة من المياه الزائدة، مما يمنع وصولها إلى المناطق المأهولة في مصر.
د- الأدلة: تم استقبال كميات مياه ضخمة من بحيرة ناصر إلى منخفض توشكى لملء بحيراته في سنوات الفيضان العالي، مما يثبت دوره كمنفذ طوارئ استراتيجي لاستيعاب المياه الزائدة.
ثانياً: مشاريع ترشيد المياه وتطوير شبكة الري
تساهم هذه المشاريع بشكل غير مباشر في استيعاب الزيادة من خلال زيادة كفاءة الشبكة وتقليل الفاقد، مما يتيح هامشاً أكبر للمناورة في إدارة تدفقات النيل.
1- المشروع القومي لتأهيل وتبطين الترع والمجاري المائية:
أ- التاريخ: بدأ المشروع في إطار الاستراتيجية القومية لإدارة الموارد المائية لعام 2050، وتم الإعلان عن المخطط النهائي له في عام 2020.
ب- الأهداف: يستهدف المشروع تبطين وصيانة حوالي 20 ألف كيلومتر من القنوات والترع على مستوى الجمهورية.
ج- الفائدة في استيعاب الزيادة: يهدف إلى تقليل فاقد المياه من خلال التسرب إلى المنطقة تحت السطحية بنسبة تقديرية تتراوح بين 30-40%. هذا الترشيد يعني أن شبكة القنوات تصبح أكثر كفاءة، وأقل عرضة لارتفاع منسوب المياه بشكل غير متحكم فيه نتيجة التضيق أو الانسداد، وتسمح بمرور المياه بكميات أكبر عند الحاجة دون فيضانات جانبية.
د- التكلفة والأدلة: تبلغ التكلفة التقديرية للمخطط النهائي لتأهيل وتطوير القنوات الرئيسية على المستوى الوطني 2.6 مليار دولار أمريكي، ويستمر تنفيذه في مختلف المحافظات.
2- مشروعات الصرف الزراعي المغطى والمكشوف:
أ- الهدف: تنفيذ أعمال تطهير دورية للمصارف الزراعية العمومية (بأطوال تصل إلى 22 ألف كيلومتر) لضمان قدرتها على استقبال وإمرار مياه الصرف الزراعي بدون عوائق.
ب- الأدلة: الانتهاء من تنفيذ شبكات الصرف المغطى لزمام قدره 6.00 مليون فدان، بالإضافة لإحلال وتجديد شبكة الصرف المغطى في المساحات التي انتهى عمرها الافتراضي بها في مساحة 2.36 مليون فدان. يتم أيضاً توسيع وتعميق المصارف المكشوفة بكميات حفر تصل إلى 10 مليون متر مكعب سنوياً، مما يزيد قدرتها على استيعاب المياه وتصريفها.
ثالثاً: التوسع الزراعي في الصحراء (الدلتا الجديدة وتوشكى)
تهدف هذه المشاريع لفتح مناطق استيعاب جديدة للمياه في الصحراء، مما يقلل الضغط على دلتا النيل القديمة.
1-مشروع الدلتا الجديدة ومشروع توشكى:
أ- التاريخ: بدأ مشروع توشكى في عام 1997 وتم الانتهاء من محطة الضخ في 2003. مشروع الدلتا الجديدة هو أحدث المشروعات الكبرى (أُعلن عنه مؤخراً).
ب- الأهمية: تقوم هذه المشاريع باستصلاح مساحات شاسعة في الصحراء (مثل مشروع توشكى الذي يستهدف ري 234,000 هكتار) عبر قنوات يتم تغذيتها من بحيرة ناصر (مثل ترعة الشيخ زايد)، ومشروع الدلتا الجديدة الذي يهدف لإضافة ملايين الأفدنة للرقعة الزراعية.
ج- دورها في استيعاب الزيادة: يتم توجيه المياه إلى مناطق بعيدة عن التجمعات السكانية القديمة في الوادي والدلتا، مما يجعل شبكة الري قادرة على استيعاب كميات مياه أكبر دون التسبب في فيضانات في المناطق السكنية والزراعية المكتظة.
الأسباب التي أدت لعدم غرق المناطق المصرية
باختصار،..
يرجع عدم غرق المناطق المصرية (كما حدث في بعض المناطق السودانية التي تقع في مجرى النيل مباشرة قبل السد العالي) إلى عاملين رئيسيين:
1- السيطرة الكاملة والمركزية على التدفق: وجود السد العالي كمنظم رئيسي يمتص صدمة الفيضان ويحولها إلى بحيرة ناصر، بالإضافة إلى منظومة مفيض توشكى كصمام أمان لتصريف الفائض بشكل آمن في الصحراء.
2- كفاءة شبكة الري والصرف: المشاريع القومية الجارية لـ تبطين الترع وتطوير شبكات الصرف تضمن قدرة أكبر للمجاري المائية على حمل المياه وتصريفها بكفاءة عالية ومنظمة، مما يقلل من احتمالية فيضان المياه على ضفاف الترع والمصارف.
