بقلم… أحمد رشدى
> “La Pasta” وتعني بالعربية المكرونة — ليست مجرد وجبة على المائدة الإيطالية، بل هي رمز للهوية الوطنية وميراثٌ من الحب والفنّ والذوق الرفيع. فالإيطاليون لا يأكلون المكرونة فحسب، بل يعيشونها بكل تفاصيلها؛ من اختيار نوع الدقيق إلى ضبط القوام والنكهة وتقديمها في أبهى صورة، وكأنها لوحة فنية مرسومة بخيوط من القمح والروح.
تُعدّ المكرونة عنوان المطبخ الإيطالي وأيقونته الأشهر، إذ ارتبطت بتاريخ طويل من التطوّر والابتكار.
ويعتقد بعض المؤرخين أن فكرة تجفيف العجين أو صناعة “الشعيرية” جُلبت إلى صقلية من العالم العربي في العصور الوسطى، إلا أن هذا الرأي غير مؤكد، فالباستا الإيطالية كما نعرفها اليوم تطوّرت داخل إيطاليا ذاتها، وبلغت نضجها في القرون الوسطى، حين أصبحت جزءًا أساسيًا من ثقافة الطعام الإيطالي.
ومن الطريف أن كثيرين حول العالم يظنون أن طبق “السباجيتي بولونيز” يعود إلى مدينة بولونيا، لكن أهل بولونيا الأصليين لا يقدّمونه بهذا الشكل.
فالطبق التقليدي لديهم يُعرف باسم “راجو ألا بولونييزي” (Ragù alla Bolognese)، وهو صوص غنيّ باللحم والطماطم يُقدّم عادةً مع تاليياتيلي (Tagliatelle) الطازجة، وليس مع السباجيتي.
ويتميّز الإيطاليون بدقّتهم في الطهو، فهم يطهون المكرونة مطهوة حدّ التماسك، بحيث لا تكون لينة تمامًا. وهذه الدرجة تمنح المكرونة توازناً مثالياً بين النكهة والقوام، وتعدّ من أسرار المطبخ الإيطالي التي لا يتنازلون عنها أبدًا.
وفي أنحاء إيطاليا تتنوّع أطباق الباستا بشكل مذهل؛ من اللازانيا في الشمال، إلى الباستا ألا نارما في صقلية، ولكل منطقة طابعها المميز ومكوناتها المحلية الخاصة. وتشير الإحصاءات إلى أن أنواع المكرونة تتجاوز 300 نوع، لكل منها شكل ومذاق واستخدام مختلف، فكل نوع يُختار بعناية ليتناسب مع نوع الصوص أو المكونات المرافقة له.
ولا يتوقف عشق الإيطاليين عند المائدة فقط؛ فهم أيضًا عشّاق للجمال وللسفر وللحضارات العريقة.
ومصر بالنسبة لهم وجهة فريدة تجمع بين التاريخ والفنّ والطبيعة. يزور الإيطاليون أرض الكنانة بدافع الإعجاب بحضارتها القديمة، فيتأملون أهرامات الجيزة ومعبد الكرنك ويمشون بين أزقة خان الخليلي حيث الأصالة والدفء.
كما يجدون في شواطئ البحر الأحمر وسيناء والساحل الشمالي سحرًا قريبًا من البحر المتوسط الذي تربطهم به علاقة أبدية من الحب والهواء والملح. وهكذا، تظل العلاقة بين مصر وإيطاليا جسرًا من الذوق والحضارة والفنّ، تمامًا كما هي المكرونة رمزًا للجمال البسيط المتقن.
وهكذا تبقى “La Pasta”
أكثر من مجرد طعامٍ إيطالي؛
إنها حكاية عشقٍ للحياة وللفنّ وللجمال،
حكاية تجمع بين القمح الإيطالي
وبين الطهو والإبداع،
وبين الذوق والحضارة.
