بقلم: أحمد رشدي
كانت الساعة متوقفة عند الثالثة
وسبع دقائق بالضبط
منذ ثلاث سنوات لم تتحرك عقاربها لحظة واحدة،
كأن الزمن نفسه قرر أن يستريح عند تلك النقطة
لكن “أدهم” لم يستطع أن يتخلّص منها،
كانت هديةً من “سارة” في عيد ميلاده الأخير قبل أن ترحل بلا وداع
كانت تقول له دائمًا:
“الوقت لا يُقاس بالدقائق،
بل بالذكريات التي تحدث خلالها”
ومنذ رحيلها، لم يحدث شيء يستحق أن يُقاس
في تلك الليلة التي لم يكن فيها نومٌ ولا ضوء، جلس نادر أمام الساعة،
ينظر إلى العقربين الصامتين
ثم خطر له جنون بسيط:
ماذا لو استطاع أن يُعيدها للحياة؟
فتحها بمفكٍّ صغير،
وحين رفع الغطاء الخلفي،
انبعث منه عبير غريب يشبه رائحة المطر الممزوج بالدموع
وفي قلب الساعة،
كانت هناك ورقة مطويّة بعناية
فتحها ببطء،
فوجد بخطّها الرفيع جملة واحدة:”حين تدق الثالثة وسبع دقائق مجددًا” سأتصل بك.”
ضحك في البداية،
ظنّها مزحةً قديمة
لكنه شعر بشيء يتحرّك في الغرفة
الهواء أصبح أثقل
وكل الأشياء بدأت تهمس
عقرب الثواني تحرك للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات،… دورة كاملة
واحدة… اثنتان… ثلاث
ثم توقفت الساعة تمامًا عند الثالثة وسبع دقائق
رنّ الهاتف.
لم يكن هناك سوى صوت تنفّسها
عرفه فورًا،
كأنه كان يعيش في أذنه منذ الأزل
قال بصوتٍ مرتجف:
سارة ؟
جاءه صوتها واهنًا كأنه آتٍ من أعماق الأرض:
تأخرتَ… كنتُ أنتظر منذ زمنٍ لا يُقاس…
تجمّد الدم في عروقه
أين أنتِ؟
في اللحظة التي قتلتها أنتَ حين توقفت الساعة…
أتذكر؟ كنت تقول إن الوقت بلا معنى بعدي؟
لقد صدّقك الزمن يا نادر…
وتوقفت الساعة..
أراد أن يصرخ، أن يعتذر،
أن يُغلق الهاتف، لكن أصابعه لم تتحرك
قالت بصوتٍ أبرد من الصمت:
لا تصلح الساعة يا أدهم… إنها الوحيدة التي تُبقيك معنا
ثم انقطع الخط
وانفجرت الساعة فجأة بضوءٍ غريبٍ أعمى عينيه للحظة
وحين فتح عينيه،
وجد نفسه في غرفةٍ أخرى تمامًا
نفس الأثاث… نفس الجدران
لكن كل شيء مغطى بطبقةٍ رقيقةٍ من الغبار وعلى الطاولة، صورة له وسارة …
لكن وجهه في الصورة لم يكن وجهه
كانت الساعة هناك
تدق بثباتٍ تام عند الثالثة وسبع دقائق
وفي خلفيتها يُسمع خافتًا صوتُها تهمس:
“كل من يحاول أن يُعيد الزمن… يضيع فيه.”
