نجده محمد رضا
في ذاكرة كرة القدم العالمية، يبقى اسم دييغو أرماندو مارادونا محفورًا بحروف من ذهب، ليس فقط بصفته لاعبًا استثنائيًا، بل كرمز حيّ للموهبة الخالدة والإصرار والعشق الأبدي للساحرة المستديرة. وُلد مارادونا في 30 أكتوبر عام 1960 في حي فقير بضواحي العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، ليبدأ من هناك رحلة صعود مذهلة من بين أزقة الفقر إلى قمة المجد الكروي
بداياته ومسيرته الاحترافية
بدأ مارادونا مسيرته الكروية مع نادي أرجنتينوس جونيورز وهو في سن الخامسة عشرة فقط، ليُبهر الجماهير بلمساته السحرية وقدرته الفريدة على المراوغة وصناعة الفارق. وفي عام 1981 انتقل إلى نادي بوكا جونيورز، الفريق الذي عشقه منذ طفولته، ليقوده إلى التتويج بالدوري الأرجنتيني.
وفي العام التالي، خطف أنظار العالم بعد انتقاله إلى برشلونة الإسباني، حيث قدّم عروضًا رائعة رغم معاناته من الإصابات والمضايقات العنيفة التي تعرّض لها من مدافعي الخصوم.
مارادونا في أوروبا… المجد من نابولي
كانت النقلة الأبرز في مسيرته عام 1984 عندما انتقل إلى نادي نابولي الإيطالي، حيث أصبح أسطورة المدينة وأملها. في نابولي، تحوّل مارادونا من لاعب كبير إلى رمز وطني، إذ قاد الفريق إلى الفوز بأول دوري إيطالي في تاريخه عام 1987، ثم أعاد الكرة عام 1990، بالإضافة إلى كأس الاتحاد الأوروبي عام 1989.
لم يكن تأثيره داخل الملعب فقط، بل امتد إلى نفوس الجماهير التي اعتبرته رمزًا للفخر والكرامة في وجه الطبقة الثرية التي كانت تهيمن على أندية الشمال الإيطالي.
الإنجازات الدولية… كأس العالم 1986
لا يمكن الحديث عن مارادونا دون التوقف عند مونديال المكسيك 1986، البطولة التي خلدت اسمه إلى الأبد. قاد مارادونا منتخب الأرجنتين إلى الفوز بالكأس العالمية الثانية في تاريخه، بعد أداء أسطوري أبهر العالم.
في تلك البطولة، قدّم واحدة من أروع المباريات في التاريخ أمام إنجلترا، عندما سجّل هدفين أصبحا من أشهر الأهداف في التاريخ
الهدف الأول
الذي أطلق عليه “يد الله”، بعد أن لمس الكرة بيده وأسكنها الشباك بخداع مذهل.
الهدف الثاني
الذي وُصف بـ “هدف القرن”، بعدما انطلق بالكرة من منتصف الملعب متجاوزًا ستة لاعبين قبل أن يضعها في المرمى بثقة لا تُضاهى.
ذلك الأداء جعل العالم يعترف بأن مارادونا لم يكن مجرد لاعب، بل ظاهرة كروية لا تتكرر.
الجانب المظلم والصراعات الشخصية
ورغم عبقريته داخل الملاعب، إلا أن حياة مارادونا خارجها لم تخلُ من الصراعات والمآسي فقد عانى من الإدمان ومشاكل صحية متكررة، إضافة إلى خلافات مع الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” وبعض الأندية التي لعب لها لاحقًا. ومع ذلك، ظلّ محبوبًا لدى الجماهير التي رأت فيه الإنسان قبل اللاعب، الموهبة التي لم يروّضها النظام أو القوانين.
رحيله وخلوده
في 25 نوفمبر 2020، رحل مارادونا عن عمر يناهز الستين عامًا إثر أزمة قلبية، لتهتزّ الأرجنتين والعالم بحزن عميق. أعلنت الحكومة الأرجنتينية الحداد الوطني لثلاثة أيام، وتوافدت الجماهير بالملايين لتوديع “الفتى الذهبي” الذي منحهم الفخر والفرح.
رحل الجسد، لكن بقيت الأسطورة خالدة في ذاكرة كل من عشق كرة القدم. اليوم، لا يُذكر تاريخ اللعبة دون أن يُذكر اسم مارادونا، الذي غيّر معاني الموهبة والإبداع والتحدي.
يبقى دييغو مارادونا أسطورة تتجاوز حدود الزمان والمكان فهو رمز للعبقرية الكروية ولإيمان الإنسان بحلمه مهما كانت الظروف.
لقد كان لاعبًا لا يُقاس بالأرقام، بل بالمشاعر التي أشعلها في قلوب الملايين، وسيظل اسمه منقوشًا في ذاكرة كرة القدم إلى الأبد.

