د.نادي شلقامي
لم يعد الشارع مجرد ممر للعبور، بل تحول في العصر الحديث إلى “متحف مفتوح” يعكس ثقافة الشعوب وتطلعاتها. ويأتي فن الجداريات (Murals) كأحد أبرز أدوات التصميم الحضري التي تجاوزت مفهوم “الدهان والتجميل” لتصبح لغة بصرية قادرة على مخاطبة الجماهير. يهدف هذا التقرير إلى استعراض أهمية الجداريات في القرى والمدن، والتفرقة بين دورها الجمالي التقليدي وبين وظيفتها كأداة لنقل المعلومات والقيم الهادفة.
أولاً…. الجداريات بين المفهوم الجمالي والوظيفي
هناك خيط رفيع يربط بين تزيين الجدران وبين استغلالها كمنصات توعوية:
1- المفهوم الجمالي العادي: يركز على كسر حدة اللون الرمادي للمباني، وإضفاء لمسة من البهجة البصرية من خلال الأشكال الهندسية أو المناظر الطبيعية التي تريح العين وتجمل البيئة العمرانية.
2- المفهوم المعرفي (توصيل المعلومة): هنا تتحول الجدارية إلى “رسالة صامتة”. بدلاً من مجرد ألوان، نجد رسومات توثق تاريخ القرية، أو تحث على الحفاظ على البيئة، أو تروج لقيمة صحية أو اجتماعية معينة، مما يجعل الفن خادماً للمجتمع.
ثانياً: أهمية الجداريات في المدن والقرى
1- إحياء الهوية الثقافية: في القرى، يمكن للجداريات أن تحكي قصص الأجداد والمهن التراثية، مما يربط الأجيال الشابة بجذورها.
2- تنشيط السياحة البصرية: المدن التي تهتم بفن الشوارع تتحول إلى وجهات سياحية، حيث ينجذب الزوار لالتقاط الصور والتعرف على ثقافة المدينة من خلال جدرانها.
3- تحسين الحالة النفسية: أثبتت الدراسات أن استبدال الجدران المتهالكة أو المشوهة برسوم فنية يقلل من نسب التوتر ويعزز الشعور بالانتماء لدى السكان.
ثالثاً: تحويل الجدارية إلى “معلومة مفيدة”
لكي ننتقل بالجدارية من مجرد صورة إلى مصدر للمعلومة، يجب مراعاة الآتي:
1- تبسيط الرسالة: استخدام رموز بصرية يفهمها البسيط والمتعلم (مثل رسمة لدورة حياة المياه أو أهمية القراءة).
2- التفاعل مع المكان: أن تكون الجدارية ذات صلة بموقعها؛ فجدارية بجانب مدرسة قد تحمل معلومات تحفيزية، بينما جدارية في سوق شعبي قد تتحدث عن الأمانة والتعاون.
3- استخدام التكنولوجيا: يمكن إضافة “QR Code” صغير في زاوية الجدارية، يمسحه المارّ بهاتفه ليقرأ قصة اللوحة أو معلومات إضافية عن الموضوع الذي تتناوله.
إن فن الجداريات هو القوة الناعمة التي يمكنها تغيير وجه المدن والقرى. هو ليس مجرد “رفاهية لونية”، بل هو استثمار في العقل البشري وفي البيئة المحيطة. عندما تتحول الجدران الصماء إلى صفحات تحكي قصصاً وتقدم نصائح، فإننا ننشئ جيلاً يتنفس الفن ويتعلم منه في كل خطوة يخطوها في شارعه.
