“الموناليزا” للفنان دافنشي: القصة وراء الابتسامة الغامضة

د. إيمان بشير ابوكبدة
الموناليزا، المعروفة أيضًا باسم الجيوكوندا ، هي لوحة زيتية على الخشب تصور امرأة ذات ابتسامة خفية وغامضة. تم رسمها من قبل ليوناردو دافنشي بين عامي 1503 و1506 وهي معروضة حاليا في متحف اللوفر في باريس. تعتبر هذه اللوحة واحدة من أعظم كنوز فن عصر النهضة، وتجذب ملايين الزوار كل عام.
وعلى الرغم من أبعادها الصغيرة (77سم × 53سم)، فإن هذا العمل الذي يصور امرأة غامضة أصبح على مر القرون أشهر صورة في تاريخ الفن الغربي.
حياة وأعمال ليوناردو دافنشي
كان ليوناردو دافنشي واحدًا من أعظم العباقرة في تاريخ الفن. ولد عام 1452 في مدينة فينشي بإيطاليا، وبرز كرسام ونحات ومهندس معماري وعالم ومخترع. تشتهر أعماله بمهاراته التقنية وسعيه الدؤوب نحو الكمال. بالإضافة إلى الموناليزا، اشتهر دافنشي أيضًا بروائع أخرى، مثل “العشاء الأخير” و”عذراء الصخور”. قاده عقله الفضولي والمستفسر إلى دراسة مجموعة واسعة من المواضيع، من علم التشريح البشري إلى علم الفلك.
رسم الموناليزا
كان رسم الموناليزا عملية دقيقة واستغرقت وقتًا طويلاً بالنسبة لليوناردو دافنشي. عمل على اللوحة لعدة سنوات، وأتقن كل التفاصيل وسعى إلى التقاط جوهر الشكل المرسوم. تتميز التقنية التي استخدمها دافنشي، والمعروفة باسم سفوماتو ، بسلاسة انتقالات الألوان وعدم وجود خطوط حادة. وهذا يعطي اللوحة جوًا غامضًا وإحساسًا بالعمق.
من هي الموناليزا ؟
على الرغم من أن وجهه يعد أحد أكثر الوجوه شهرة في تاريخ الغرب، إلا أن الحقيقة هي أن هوية النموذج الذي وقف أمام ليوناردو دافنشي تظل واحدة من أعظم الألغاز التي تحيط بالعمل.
وعلى الرغم من ظهور العديد من النظريات، يبدو أن ثلاث نظريات هي التي اكتسبت أكبر قدر من الأهمية والمصداقية.
الفرضية الأولى: ليزا ديل جيوكوندو
النظرية الأكثر قبولا هي أن هذه هي ليزا ديل جيوكوندو، زوجة فرانشيسكو ديل جيوكوندو، وهي شخصية مهمة في المجتمع الفلورنسي .
وقد قرر بعض العلماء أن هناك وثائق تشير إلى أن ليوناردو رسم صورة لها، وهو ما يبدو أنه يساهم في صحة النظرية.
وهناك عامل آخر يجب أخذه في الاعتبار وهو الاعتقاد بأن المرأة أصبحت أماً قبل فترة وجيزة، وأن زوجها كلف برسم اللوحة لإحياء ذكرى تلك اللحظة.
تشير التحقيقات التي قامت بتحليل طبقات الطلاء المختلفة في العمل إلى أن الموناليزا كانت في الإصدارات الأولى ترتدي حجابًا في شعرها، كما تفعل النساء الحوامل أو النساء اللاتي ولدن مؤخرًا.
الفرضية الثانية: إيزابيلا أراغون
هناك احتمال آخر وهو أن إيزابيلا أراغون، دوقة ميلانو، هي التي عمل الرسام في خدمتها. إن مقارنة نموذج الموناليزا مع صور الدوقة تكشف عن وجود أوجه تشابه واضحة بين الاثنتين.
الفرضية الثالثة: ليوناردو دافنشي
الافتراض الثالث هو أن هذه الشخصية هي في الواقع ليوناردو دافنشي يرتدي ملابس نسائية.
تم طرح هذه الفرضية على أساس التشابه بين نموذج الموناليزا والصور الذاتية التي رسمها دافنشي. ومع ذلك، يمكن القول إن التشابه ناتج عن حقيقة كونهما عملين لنفس الفنان، الذي استخدم نفس التقنيات والأسلوب.
الابتسامة الغامضة: النظريات والتفسيرات
ما يجعل الموناليزا مثيرة للاهتمام هو ابتسامتها الغامضة. وقد ظهرت العديد من النظريات على مر السنين، في محاولة لتفسير سبب هذه الابتسامة وما تمثله. يعتقد البعض أن الابتسامة هي انعكاس لشخصية المرأة المصورة، بينما يعتقد البعض الآخر أنها تمثل حالة ذهنية أو سر تخفيه. علاوة على ذلك، هناك من يعتقد أن الابتسامة هي نتيجة لتقنية سفوماتو دافنشي، والتي تخلق وهم الحركة والتعبير.
وتقول بعض التقارير عن تنفيذ العمل أن ليوناردو دافنشي استأجر موسيقيين قاموا بالعزف من أجل إدخال البهجة إلى قلب النموذج وإدخال الابتسامة على وجهها.
السياق التاريخي للموناليزا
لفهم الموناليزا بشكل كامل، من المهم معرفة السياق التاريخي الذي تم رسمها فيه. كان عصر النهضة فترة ازدهار فني وفكري عظيم في أوروبا، وكانت إيطاليا على وجه الخصوص موطنًا للعديد من أعظم العقول في ذلك الوقت. انغمس ليوناردو دافنشي في هذه البيئة الثقافية وكان على اتصال بفنانين ومفكرين عظماء آخرين في ذلك الوقت. لا تعكس لوحاته مهاراته التقنية فحسب، بل تعكس أيضًا أفكار وقيم مجتمع عصر النهضة.
تغيرت ألوان اللوحة
تم استخدام لوحة الألوان الرصينة، مع غلبة اللون الأصفر والبني والأخضر الداكن. ولكن تجدر الإشارة إلى أن ألوان العمل حاليًا مختلفة عن تلك التي رسمها ليوناردو.
لقد أعطى الزمن والورنيش المستخدم للوحة اللونين الأخضر والأصفر اللذين نراهما اليوم.
أهمية وتأثير الموناليزا
لقد تجاوزت الموناليزا أهميتها كلوحة بسيطة لتصبح رمزًا ثقافيًا. لقد أثرت على عدد لا يحصى من الفنانين وألهمت أجيالاً من الرسامين. علاوة على ذلك، أصبحت الموناليزا رمزًا للفن نفسه، وغالبًا ما تُستخدم كمثال للتميز الفني. كما أن شهرتها وشعبيتها جعلتها أيضًا هدفًا لرغبة اللصوص. في عام 1911، سُرقت اللوحة من متحف اللوفر، مما زاد من شهرتها وحولها إلى أسطورة حقيقية.
سرقة واستعادة الموناليزا
في أغسطس 1911، تمت سرقة الموناليزا، إحدى أشهر الأعمال الفنية في العالم، من متحف اللوفر الشهير في باريس على يد إيطالي يدعى فينسينزو بيروجيا. انطلاقا من شعوره القومي، اعتقد بيروجي أن اللوحة يجب أن تعاد إلى إيطاليا، حيث أنها في الأصل قد رسمها فنان إيطالي، وهو الفنان الشهير ليوناردو دا فينشي. لقد أحدثت سرقة الموناليزا ضجة كبيرة وأصبحت خبراً رئيسياً في كل الصحف في العالم، مما أثار فضول الجمهور واهتمامه. على مدى عامين طويلين، أجرت السلطات الفرنسية والإيطالية تحقيقات مكثفة لاستعادة التحفة الفنية. وأخيرا، في عام 1913، تم العثور على اللوحة وإعادتها إلى مكانها الأصلي، متحف اللوفر، حيث لا تزال تسعد ملايين الزوار كل عام.