بقلم/ ابراهيم الديب
بدا سعيداً بتجوله في حقول القهوة ابتهج لما يشاهد من مروج خضراء على امتداد الافق ، فبدا المشهد كلوحة فنية أبدعها الله, نموذجا لجمال الطبيعة الخلابة على الأرض ، أخذ يمعن النظر بشغف شديد في كل ما حوله يلتفت يميناً ويساراً يلف ويدور حول نفسه غير مصدق أنه يشاهد لأول مرة: شتلات القهوة وهي ما زالت في طور نموها عيدان خضراء , ضاعف من إحساسه بالسعادة كونه مدمن للقهوة وأحد أبنائها البررة منذ صباه الباكر، دهش لنموها واشتداد عودها أمام ناظريه ونضوج حبوبها وتدليها في عناقيد كل شيء هنا ساحر عظيم ينجز بسرعة خارقة على عكس قوانين الطبيعة .
، سحرته مشاهدة تطور مراحل الاشياء منذ بدايتها بداية حتي نهايتها ما يتم عادة في عدة شهور ينجز أمامه ثوان معدودة فبدا أن الكون بقوانينه في حالة ميوعة غير معهودة وصار بعدها أكثر مرحا راقصا طروبا مجنوناً، وفجأة ظهر أمامه مجموعة من الفتية أقرب للنور من اللحم والدم ، صوتهم أقرب للهمس و كأن الهواء من يحملهم تصدر نظراتهم بريق لامع يبعث في النفس: رضا وأمل وسكينة, تغمر الإنسان وتدعوه التعلق بالحياة ،أعمارهم ما بين الصبا و الشباب يحصدون محصول القهوة وهم : يمرحون ويرقصون ويغنون وقار ؛وكأنهم يمارسون طقسا مقدسا.
فغدا أشد استمتاعا بما يشاهد فلوح لهم بيده فبدا أنهم يشعرون بوجوده، كما لم يلتفت إليه منهم أحد ، ثم مجموعة أخرى من فتيات صغار لا تقل عنهم نضارة وحسن وبهاء: انحصرت وظيفتهم في طحن كميات حصدت للتو من حبوب القهوة ثم نفذت رائحتها الذكية بعد تحولها” لبن” فأخذ في استنشاقها بشغف شديد وبعد نفاذها لتلافيف مخه ، القهوة سوتها نار هادئة ، بماء بارد ، تساءل في نفسه كيف تزرع القهوة أثناء وجودة في الحقل؟ ثم تنمو وتنصح وتحصد ثم يصنع منها قهوة بتناولها بهذه السرعة العمل ينجز بدقة متناهية من الصبية قبل الفتيات الصغار، بتناغم وتناسق تام فيما بين الجميع بصمت مهيب يبعث في النفس السرور ويدعو للألفة بين الكائنات ويذهب عن الروح الوحشة.
أفاق من غفوته وهو بين اليقظة والنوم ومسح المكان الذي يجلس فيه بنظرة تقاوم بقايا نعاس لم يستطع بسببه تحديداً للمكان الذي تواجد به ،ولكن هدوء وسكينة غمرت نفسه وسرت في كيانه بعد اضطراب وقلق وتوتر تمنى حينها لو استمر تغييب النوم له يعيش تحت سيطرته وسحره وجماله وسلطانه ورغب أيضاً في تأبيد ما عاشه أثناء حلمه من لحظات سعيدة لا تفارق ذهنه ، تسكنه إلى الأبد، قبل أن يسترده الواقع مرة اخرى، وجد نفسه في الكافيتريا ومكانه الأثير المحبب إلى نفسه الجلوس فيه منفرداً، أو مع مجموعة اصدقائه متحدثاً إليهم وسامع منهم، وهو ركن منزو يتمتع بهدوء وكأنه يفتقد تواصل مع بقية اجزاء الكافيتريا ، ولم يتأخر الجرسون الذي يسبقه الذي يسبقه ضجيجه وصخبه اتيا إليه يحمل صينية يعلوها كوبا من القهوة يصعد منها بخار على شكل حلقات حلزونية تنتهي عند أنفه ومن ثم لتلافيف مخه وهو يقول: آسف يا أستاذ لتأخري إحضار قهوتك فلم اشاهدك عند دخولك الكافيتريا ، وواصل يبدو أنك غفوت في ركنك النفض بعض الوقت، فرد عليه: نعم ثم بدأ في تناول القهوة بإحساس حلمه الساحر الذي استدعاه أو هو: لم يغادره بعد منذ تجوله في حقول القهوة ..
