لَطِيفَةٌ قُرْآنِيَّةٌ: لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى

د/حمدان محمد
القرآن الكريم كتاب هداية يحمل في طياته دروسًا عظيمة توجه الإنسان إلى الصراط المستقيم، ومن تلك الدروس ما ورد في قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: 264]
فهذه الآية الكريمة تخاطب المؤمنين بنداء يملؤه اللطف والتكريم، توجيهًا لهم للحفاظ على أعمالهم الصالحة من الضياع، فتؤكد أن الصدقة ليست مجرد إخراج المال، بل عبادة لها شروطها وروحها التي يجب أن تُصان.
فالمنُّ: هو التذكير بالعطاء، والتفاخر به أمام الآخرين، وكأن المتصدق يريد أن يُشعر المحتاج بأنه مدين له، فيحطم بذلك معنوياته وكرامته.
والأذى: هو أي قول أو فعل يجرح مشاعر من تلقى الصدقة، سواء كان ذلك بالكلام الجارح، أو النظرات المشفقة التي تشعره بالدونية، أو حتى الإحساس بأنه عالة على المجتمع
وإن العطاء في الإسلام ليس مجرد إخراج للمال، بل هو قيمة روحية تهدف إلى سد حاجة الفقراء، دون أن يكون ذلك وسيلة للتفاخر أو إحراج المحتاج. فالصدقة التي تُقدَّم بوجهٍ عابسٍ، أو تتبعها إساءة، تفقد معناها وتتحول إلى عبء نفسي على المتلقي.تفسد أچر الصدقة عند الله
ولذلك!!!!
لماذا يُحذِّر القرآن من المنِّ والأذى؟
لأنهما يُفسدان أجر الصدقة، فيصبح المتصدق كأنه لم يُعطِ شيئًا.
1/لأنهما يُحبطان نفسية المحتاج، ويُضعفان أواصر المحبة والتكافل بين أفراد المجتمع.
2/لأنهما يكشفان عن نية غير خالصة، وكأن العطاء لم يكن لله بل كان لأغراض أخرى كطلب الشهرة أو المدح.
فالصدقة عبادة يجب أن تكون خالصة لله، لا يشوبها رياء ولا طلب لمصلحة.
والحفاظ على كرامة المحتاج أهم من المال ذاته، فمن أعطى بطيب نفس، وابتسامة صادقة، فقد ضاعف أجره عند الله.
فنحن من نحتاج إلي أچر الصدقات من الفقراء والمساكين وغيرهم وليسوا هم من يحتاجون
فالتكافل الحقيقي لا يكون فقط بالعطاء المادي، بل بالكلمة الطيبة، والمشاعر النبيلة التي تُشعر المحتاج بأنه جزء من المجتمع، وليس عبئًا عليه.
لذلك أيها المتصدق، احفظ أجرك!
فإذا أردت أن يكون لعطائك أثرٌ دائم، فلا تُتبع صدقتك بما يُذهب بركتها، وقدمها بطيب نفس، كما قال النبي ﷺ:
“اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ” [متفق عليه].
فهذه دعوة لأن يكون عطاؤنا نابعًا من قلوبنا، خالصًا لله، مصحوبًا باللطف والتواضع، بعيدًا عن كل ما يفسده من منٍّ أو أذى.