نهاد عادل
رغم مرور ثلاثة عقود على إقرار المجتمع الدولي بأن «حقوق المرأة هي حقوق الإنسان» خلال المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة في بكين عام 1995، ما زال العنف ضد المرأة يشكّل واحدة من أخطر وأطول أزمات حقوق الإنسان عمراً، وأكثرها تجاهلاً حول العالم.
فبدلاً من أن يشهد القرن الحادي والعشرون تقدماً حقيقياً نحو العدالة والمساواة، تكشف الأرقام الحديثة أن ملايين النساء ما زلن يعشن تحت وطأة الخوف والعنف، في البيوت والشوارع وأماكن العمل، دون حماية كافية أو مساءلة حقيقية للجناة.
أرقام صادمة: امرأة من كل ثلاث تتعرض للعنف
وفقاً لتقرير رائد صادر عن منظمة الصحة العالمية وشركاء من الأمم المتحدة، تعرّضت ما يقرب من امرأة واحدة من كل ثلاث نساء حول العالم، أي ما يُقدَّر بنحو 840 مليون امرأة، لعنف جسدي أو جنسي من شريك حميم أو لاعتداءات جنسية خلال حياتهن، وهو رقم لم يشهد تغيراً يُذكر منذ عام 2000.
وخلال الأشهر القليلة الماضية فقط، تعرضت 316 مليون امرأة، أي نحو 11% من النساء فوق سن 15 عاماً، لعنف جسدي أو جنسي من قبل شريك حميم، ما يعكس استمرار الخطر حتى في الفترات القصيرة.
العنف غير المُبلّغ عنه: أرقام أقل من الواقع
وللمرة الأولى، تضمّن التقرير تقديرات وطنية وإقليمية للعنف الجنسي المرتكب من قبل أشخاص غير الشركاء، حيث أظهر أن 263 مليون امرأة تعرضن لعنف جنسي منذ سن الخامسة عشرة على يد غير الشريك.
غير أن خبراء المنظمة يؤكدون أن هذه الأرقام أقل بكثير من الواقع الفعلي، بسبب الخوف، والوصم الاجتماعي، وضعف آليات الإبلاغ، خاصة في المجتمعات المحافظة أو الهشة.
تصريحات أممية: لا عدالة مع الخوف
قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية:
«يُعد العنف ضد المرأة من أقدم أشكال الظلم وأكثرها انتشاراً في تاريخ البشرية، ومع ذلك فهو من أقلها معالجة. لا يمكن لأي مجتمع أن يدّعي العدل أو الأمان بينما يعيش نصف سكانه في خوف».
وأضاف أن إنهاء هذا العنف ليس قضية سياسية فحسب، بل مسألة كرامة إنسانية وحقوق أساسية، مؤكداً أن:
«وراء كل رقم امرأة أو فتاة تغيّرت حياتها إلى الأبد».
خريطة العنف عالمياً: تفاوت جغرافي وخطر مشترك
بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية:
أوروبا والدول الغنية: 22%
الأميركيتان: 25%
الشرق الأوسط: 31%
أفريقيا: 33%
جنوب شرق آسيا: 33%
وسجّلت إفريقيا أعلى معدلات جرائم قتل النساء على يد شركاء حميمين أو أفراد من الأسرة، بمعدل 3 ضحايا لكل 100 ألف امرأة، تليها الأميركيتان، ثم أوقيانوسيا، فيما كانت أوروبا الأقل تسجيلاً لهذه الجرائم.
المنزل… أخطر الأماكن على النساء
من جانبه، قال جون براندولينو، المدير التنفيذي بالإنابة لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة:
«المنزل لا يزال مكاناً خطيراً، وأحياناً مميتاً، بالنسبة لعدد كبير جداً من النساء والفتيات حول العالم».
وهو تصريح يسلّط الضوء على حقيقة صادمة مفادها أن الخطر غالباً ما يأتي من الدائرة الأقرب للمرأة.
تعريف شامل للعنف ضد المرأة
تعرّف الأمم المتحدة العنف ضد المرأة بأنه:
«أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس، يترتب عليه أو يُرجح أن يترتب عليه أذى جسدي أو جنسي أو نفسي، بما في ذلك التهديد أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء في الحياة العامة أو الخاصة».
ويجعل هذا التعريف من العنف مظلة واسعة تشمل أنماطاً متعددة من الانتهاكات، تتجدد مع تطور المجتمعات ووسائل التواصل.
التعليم… خط الدفاع الأول
تشير أبحاث ترعاها منظمة الصحة العالمية إلى أن التعليم المبكر القائم على المساواة يمثل أحد أهم أدوات الوقاية من عنف الأزواج والشركاء.
وتؤكد الدراسات أن:
تعليم الأطفال الذكور احترام الفتيات منذ الصغر
تعزيز ثقافة الحوار واللغة غير العنيفة
إشراك الرجال والفتيان كجزء من الحل
كلها عوامل حاسمة في تقليص معدلات العنف مستقبلاً.
حماية الفتيات في طريق التعليم
إلى جانب المناهج العادلة، تشدد المنظمات الدولية على ضرورة تأمين وصول آمن للفتيات إلى المدارس، خاصة في المناطق المعرضة للخطر، عبر إجراءات مثل:
الرقابة على وسائل النقل المدرسي
التحقق من الهويات
توفير بيئة تعليمية آمنة
وأظهرت دراسة حديثة في تنزانيا أن تعليم المرأة لا يحد فقط من العنف، بل يسهم أيضاً في كسر دائرة الفقر، وتمكين النساء من معرفة حقوقهن والدفاع عنها.
خلاصة التحقيق
العنف ضد المرأة ليس قضية هامشية أو مشكلة فردية، بل أزمة عالمية ممنهجة تتطلب استجابة شاملة: تشريعات صارمة، تعليم منصف، تغيير ثقافي، ومحاسبة حقيقية.
فبدون حماية النساء، لا يمكن الحديث عن تنمية، ولا عن عدالة، ولا عن مستقبل آمن للبشرية.
