للكاتبة: سالي جابر
في قلب غابات جزيرة مدغشقر يعيش حيوان نادر لا يعرفه كثيرون، لكنه يُعد اللاعب الأهم في التوازن البيئي هناك. إنه حيوان الفوسا (Cryptoprocta ferox)، أكبر مفترس بري في الجزيرة وأحد أكثر الكائنات إثارة للدهشة والجدل العلمي. عند النظر إلى الفوسا لأول مرة قد يظنه البعض قطًا بريًا ضخمًا، بينما يراه آخرون قريبًا من النمس، لكن الحقيقة العلمية تؤكد أن الفوسا ينتمي إلى فصيلة مستقلة تُعرف بـ Eupleridae، وهي فصيلة خاصة بمدغشقر تطورت بمعزل عن باقي لواحم العالم. يمتلك الفوسا جسمًا طويلًا وعضليًا وذيلًا يكاد يعادل طول جسده، ما يمنحه توازنًا مذهلًا أثناء القفز والتسلق، كما يتميز بمخالب شبه قابلة للسحب ومفاصل مرنة تسمح له بالتحرك بسهولة بين الأشجار صعودًا وهبوطًا، في مشهد يثير الإعجاب.
سيّد الصيد في مدغشقر
يُعد الفوسا المفترس الأعلى في السلسلة الغذائية بمدغشقر، حيث لا ينافسه أي حيوان آخر على القمة، ويعتمد في غذائه بشكل أساسي على الليمورات، وهي الحيوانات الرمزية للجزيرة، إضافة إلى الطيور والقوارض والزواحف. ويجمع الفوسا بين الصيد الأرضي وصيد الأشجار، إذ يمكنه مطاردة فريسته بين الأغصان بسرعة ودقة، ما يجعله صيادًا استثنائيًا في بيئة معقدة مثل الغابات الكثيفة.
حياة اجتماعية محدودة وتكاثر غريب
الفوسا حيوان انعزالي بطبعه ولا يختلط بغيره إلا في موسم التزاوج، ومن أغرب سلوكياته التناسلية أن التزاوج يحدث غالبًا فوق الأشجار وعلى أغصان محددة وقد يستمر لساعات طويلة. بعد فترة حمل تقارب ثلاثة أشهر تلد الأنثى من صغير إلى ستة صغار، يولدون عميانًا وضعفاء ويعتمدون عليها بالكامل في الأشهر الأولى من حياتهم.
رغم قوته ومكانته، يواجه الفوسا خطر الانقراض إذ تُصنّفه القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) كنوع مُعرّض للخطر، ويرجع ذلك أساسًا إلى إزالة الغابات وتدمير موطنه الطبيعي، الصيد الانتقامي من قبل بعض السكان المحليين، وتقلص الفرائس الطبيعية. وتشير التقديرات العلمية إلى أن أعداد الفوسا البالغة في البرية قد تكون أقل من 2500 فرد فقط.
الفوسا ليس مجرد كائن مفترس، بل هو عنصر أساسي في الحفاظ على التوازن البيئي في مدغشقر، فاختفاؤه يعني اضطرابًا حادًا في أعداد الفرائس وانهيارًا تدريجيًا للنظام البيئي الفريد في الجزيرة. إن حماية الفوسا تعني في جوهرها حماية واحدة من أندر البيئات الطبيعية على كوكب الأرض.
