د.نادي شلقامي
في خضم انتصارات أكتوبر 1973، لم تكن القاهرة تحتفل فقط بعبور قناة السويس، بل كانت تستعد لاستقبال بطل من نوع آخر: الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. كان هذا اللقاء بين الرئيس أنور السادات ومؤسس دولة الإمارات تتويجًا لموقف تاريخي خالد، حيث لم يتردد الشيخ زايد في تسخير ثروة البترول لخدمة الدم العربي، مطلقًا مقولته الشهيرة: “النفط ليس أغلى من الدم العربي”. تُلقي هذه الصفحة من التاريخ ضوءًا على عمق الوفاء العربي، وكيف تحولت الصداقة بين زعيمين إلى شراكة استراتيجية حاسمة في أصعب الأوقات.
القاهرة، 1973 -حيث شهدت العاصمة المصرية أجواءً احتفالية واعترافًا رسميًا عميقًا بالدور التاريخي الذي لعبه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، في تحقيق نصر أكتوبر 1973 المجيد، وهو الدور الذي توجته لقاءات واجتماعات رفيعة المستوى مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
يأتي هذا التقدير المصري ليس فقط على خلفية الانتصارات العسكرية على الجبهة، بل اعترافًا بالمواقف الحاسمة التي اتخذها الشيخ زايد، والتي أكسبته لقب “بطل من أبطال حرب أكتوبر” على لسان الرئيس السادات نفسه.
قمة الوفاء: استقبال يعكس وحدة المصير
لم يكن الاستقبال الذي خصّ به الرئيس السادات الشيخ زايد مجرد بروتوكول عابر، بل كان تجسيدًا لوحدة الصف العربي في أصعب الظروف. وقد جاء هذا اللقاء – في إطار تبادل الزيارات بين الزعيمين بعد الحرب – ليؤكد عمق العلاقة التي نشأت على أساس التضحية المشتركة.
أكدت مصادر سياسية رفيعة المستوى أن المباحثات ركّزت على مرحلة ما بعد النصر، وضرورة استغلال الزخم العربي للمضي قدمًا في تحقيق الانسحاب الكامل وتحرير الأراضي المحتلة. ومن المعلوم أن العلاقة توطدت بشكل كبير لدرجة أن السادات زار الإمارات بنفسه بعد الحرب، في تأكيد على الروابط الأخوية والشكر العميق على الدعم اللامحدود.
البترول ليس أغلى من الدم: الدعم الإماراتي الذي لا يُنسى
يعود سبب التكريم الخاص الذي حظي به الشيخ زايد إلى موقفه الحازم والمبادر أثناء سير العمليات العسكرية، حيث اتخذ قرارات جريئة أثّرت بشكل مباشر على موازين القوى الدولية:
1- السلاح الاقتصادي: كان الشيخ زايد أول قائد عربي يُعلن صراحة عن قرار قطع النفط عن الدول الداعمة لإسرائيل، مطلقًا مقولته الخالدة التي أصبحت شعارًا للمرحلة: “البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي”.
2- الدعم المالي المباشر: لم يكتفِ الشيخ زايد بذلك، بل أقدم على خطوة غير مسبوقة بـاقتراض مبلغ ضخم (قُدِّر بمليار دولار في بعض الروايات) لشراء أسلحة ودعم القوات المسلحة المصرية والسورية، وهو ما ساند بشكل حاسم سلاح الجو المصري.
3- دعم الإعمار: امتد الدعم الإماراتي لاحقًا إلى جهود إعادة الإعمار لمدن القناة، حيث أهدت الإمارات مدينة كاملة في الإسماعيلية حملت اسم “مدينة الشيخ زايد”، لتصبح شاهدًا على التلاحم العربي.
وقد علّق مراقبون على تلك اللقاءات بأنها دشّنت مرحلة جديدة من العلاقات الأخوية الاستراتيجية، اعتمدت على الشراكة الصادقة والاعتراف بالدور الريادي لمصر، مؤكدين أن مصر لن تنسى أبدًا من وقف بجانبها في أحلك الظروف.
إن استقبال الرئيس السادات للشيخ زايد لم يكن مجرد لقاء بين رئيس دولة وضيفه، بل كان احتفاءً بشريك في النصر، ومؤسسًا لمرحلة جديدة من التضامن العربي الفعّال.
