نجده محمد رضا
في قلب المحيط الهندي، وتحديدًا ضمن أرخبيل جزر أندمان ونيكوبار التابعة للهند
تقع واحدة من أكثر بقاع الأرض غموضًا وعزلة تُعرف باسم جزيرة سنتينيل الشماليةهذه الجزيرة الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها 60 كيلومترًا مربعًا تعد موطنًا لأحد أقدم الشعوب البدائية على وجه الأرض شعب يُعرف بـ السنتينيليين الذين ما زالوا يعيشون كما عاش أسلافهم قبل آلاف السنين بعيدًا عن أي شكل من أشكال التواصل مع العالم الخارجي.
تُحيط بالجزيرة شعاب مرجانية كثيفة تجعل الوصول إليها بالغ الصعوبة، أما سكانها، فهم يرفضون تمامًا أي محاولة للاقتراب منهم
فكل من حاول دخول الجزيرة أو حتى الاقتراب من شواطئها واجه سهامهم القاتلة قبل أن تطأ أقدامه اليابسة هذا السلوك العدواني لم يكن وليد اللحظة بل هو رد فعل تاريخي متجذر في خوفهم من الغزاة والأمراض التي جلبها الغرباء في عصور ماضية والتي كادت أن تُفني قبائل قريبة منهم.
في عام 2006، قُتل اثنان من الصيادين الهنود بعد أن اقترب قاربهما من سواحل الجزيرة ورغم أن السلطات الهندية حاولت استعادة جثتيهما إلا أن السكان هاجموا المروحيات بالسهام، مما أجبر الحكومة على التراجع.
ومنذ ذلك الحين، منعت الحكومة الهندية اقتراب أي شخص لمسافة تقل عن 10 كيلومترات من الجزيرة وذلك حمايةً للطرفين السكان البدائيين الذين قد يفتك بهم أي مرض خارجي بسيط، والغرباء الذين يواجهون خطر القتل الفوري.
يُعتقد أن شعب السنتينيلي ينتمي إلى واحدة من أقدم السلالات البشرية التي هاجرت من إفريقيا قبل نحو 60 ألف عام، وقد حافظوا على أسلوب حياتهم البدائي دون أي تغير يُذكر، فلا يعرفون الزراعة أو الصناعة، ويعتمدون على الصيد وجمع الثمار، مستخدمين أدوات بسيطة من الحجر والعظام والخشب.
وعلى الرغم من محاولات قليلة قامت بها الحكومة الهندية وبعض الباحثين للتقرب منهم سلميًا، إلا أن جميعها باءت بالفشل. فالسنتينيليون يعتبرون أي غريب تهديدًا وجوديًا لهم، ولا يرغبون في أي شكل من أشكال التواصل.
تبقى جزيرة سنتينيل الشمالية اليوم واحدة من آخر الأماكن في العالم التي لم يطأها الإنسان الحديث، وأحد أكبر الألغاز الإنسانية في العصر الرقمي
فما الذي يجعل شعبها متمسكًا بالعزلة؟
هل هو الخوف من الآخر أم رغبة في الحفاظ على نقاء الحياة الأولى؟
مهما كانت الإجابة فإن الجزيرة تظل سرًّا بشريًا غامضًا يقف في وجه الحضارة الحديثة كأنها صفحة من الماضي لا تريد أن تُطوى.
