نجده محمد رضا
في قلب البحر الأدرياتيكي، وعلى مقربة من مدينة البندقية الإيطالية (فينيسيا)، تمتد جزيرة صغيرة تُعرف باسم جزيرة بوفليا لكنها ليست جزيرة عادية كما قد يظن البعض
بل تُلقّب في إيطاليا بـجزيرة الموت ويُقال إنها أكثر الأماكن رعبًا وغموضًا في أوروبا.
كانت بوفليا في يومٍ من الأيام جنة خضراء هادئة، قبل أن يغير التاريخ وجهها إلى الأبد، عندما تحولت إلى محطة عزل لضحايا وباء الطاعون الأسود في العصور الوسطى.
فكل من ظهرت عليه علامات المرض كان يُنفى إليها ليموت بعيدًا عن البشر.
مات الآلاف هناك، ودُفنوا في مقابر جماعية، حتى قيل إن نصف تربة الجزيرة اليوم تتكوّن من رماد جثث من أُحرقوا فيها لوقف تفشي الوباء القاتل.
لكن القصة لم تنتهِ هنا
فبعد قرون، عادت الجزيرة لتعيش فصلاً جديدًا من المأساة حين أُقيم عليها مستشفى للأمراض العقلية في أوائل القرن العشرين هناك تعالت صرخات المرضى بين جدران باردة وأُجريت تجارب قاسية بدعوى العلاج.
ويُروى أن أحد الأطباء فقد عقله بعدما زعم أنه يسمع أصواتًا غريبة ويرى أشباحًا تُطارده، فاختار أن يُنهي حياته قفزًا من برج الكنيسة القديمة.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت بوفليا جزيرة مهجورة، وأصدرت الحكومة الإيطالية قرارًا يمنع دخولها رسميًا، مبرّرة ذلك بوجود نشاطات غير مفسّرة تحدث ليلًا. ورغم مرور الزمن، يؤكد سكان الجزر المجاورة أنهم يسمعون صرخات مكتومة في ساعات الليل المتأخرة، ويشاهدون أضواء غامضة تنبعث من بين أطلال المباني القديمة.
لقد تحولت بوفليا إلى رمزٍ للرعب في الذاكرة الإيطالية، ومزارٍ للباحثين عن الماورائيات، لكنها في الحقيقة تبقى شاهدًا صامتًا على قسوة الإنسان وخوفه من المرض والموت.
فحين نُقصي الألم بدلًا من مداواته، ونخشى المريض بدلًا من مواساته، تتحوّل الأرض إلى لعنة، كما حدث في جزيرة بوفليا… جزيرة الموت التي لفظتها الحياة.
