اتفاقية السجناء اللبنانية-السورية: هل تخفف اكتظاظ السجون دون التنازل عن السيادة؟

د. إيمان بشير ابوكبدة
تواجه السجون اللبنانية أزمة اكتظاظ خانقة، مما يدفع وزارة العدل للبحث عن حلول عملية. وفي هذا السياق، تضع الوزارة اللمسات الأخيرة على مسودة اتفاقية مع سوريا تهدف إلى نقل السجناء المحكومين بين البلدين. تهدف هذه الاتفاقية إلى تخفيف الضغط على السجون اللبنانية، لكنها تخضع لضوابط قانونية صارمة لضمان الامتثال للمواثيق الدولية وحماية حقوق الجميع.
ليست لـ “معتقلي الرأي”: الاتفاقية مخصصة للمحكومين بجرائم جنائية
على الرغم من بعض المزاعم التي تصور الاتفاقية كأداة لترحيل “معتقلي الرأي” السوريين، تؤكد المعلومات الموثوقة أن لبنان لا يحتجز أي موقوفين سوريين لأسباب سياسية. جميع المشمولين بالاتفاقية هم محكومون بجرائم جنائية ارتُكبت على الأراضي اللبنانية، وبعضها شديد الخطورة.
ليست سابقة: لبنان أبرم اتفاقيات مماثلة من قبل
هذه الاتفاقية ليست الأولى من نوعها للبنان؛ فقد سبق أن أبرم اتفاقيات مماثلة مع دول مثل قبرص وروسيا. ترتكز هذه الاتفاقيات على مبدأ نقل المحكومين بموافقتهم، ضمن مسار قانوني شفاف يضمن عدم ملاحقتهم بجرائم أخرى أو كونهم قيد المحاكمة.
تحدد المسودة آليات التعاون بين الجهات القضائية، والجداول الزمنية، والشروط التقنية والإدارية للتسليم. والأهم من ذلك، أنها تحترم إرادة السجين، فلا يتم تسليمه قسراً إلى بلده. وتشير المعلومات إلى أن المسودة تتضمن بنداً يسمح بتقليص المدة القانونية التي يجب أن يقضيها المحكوم في لبنان قبل نقله، والمحددة حالياً بـ “ثلث مدة الحكم”. هذا البند قد يفتح الباب أمام تسوية قانونية لعدد من القضايا العالقة، خاصة فيما يتعلق بالسجناء السوريين.
من هم المشمولون؟ أعداد محدودة رغم كثرة السجناء السوريين
تضم السجون اللبنانية ما يقارب 9000 سجين، منهم حوالي 30% من الجنسية السورية، أي ما يقارب 2600 سجين. لكن المثير للدهشة هو أن الاتفاقية المرتقبة لن تشمل سوى فئة محدودة جداً من هؤلاء، تقدر بحوالي 380 سجيناً فقط. هؤلاء هم من صدرت بحقهم أحكام نهائية ولا يواجهون أي محاكمات أخرى.
أما بقية السجناء السوريين فينقسمون كالتالي:
370 سجيناً صدرت بحقهم أحكام، لكنهم ما زالوا يحاكمون في قضايا أخرى.
نحو 1800 موقوف لم يصدر بحقهم أي حكم حتى الآن.
وتستثني الاتفاقية بوضوح المحكومين في جرائم إرهابية أو قتل عناصر من القوى الأمنية والعسكرية اللبنانية. تفرض المصلحة الأمنية والسياسية العليا للدولة اللبنانية بقاء هؤلاء في لبنان لقضاء كامل محكوميتهم.
تشير المعلومات إلى أن وزير العدل عادل نصّار قد أنجز جميع الخطوات المطلوبة وتواصل مراراً مع الجانب السوري لاستكمال الإجراءات. ومع ذلك، لم تبدِ دمشق أي تجاوب ملموس حتى الآن، ولم يتم تفعيل أي قنوات تواصل مباشرة حول هذا الملف.
يعزى هذا الجمود السياسي إلى غياب المتابعة من الجانب السوري، على الرغم من طرح الملف في زيارات رسمية متعددة لمسؤولين لبنانيين إلى دمشق.
الاتفاقية ليست حلاً جذرياً، لكنها تخفف الضغط
على الرغم من أن البعض يروج للاتفاقية كحل شامل لأزمة الاكتظاظ في السجون اللبنانية، إلا أن الأرقام تظهر أن أثرها محدود. فالمستفيدون المحتملون لا يتجاوزون 380 شخصاً، وهو ما يمثل أقل من 15% من إجمالي السجناء السوريين.
ومع ذلك، تعد هذه الخطوة جزءاً من معالجة تدريجية للأزمة. تترافق هذه الخطوة مع إجراءات لبنانية أخرى لتسريع المحاكمات واحترام مهلة التوقيف الاحتياطي المنصوص عليها قانوناً، وهي خطوات تعمل عليها وزارة العدل بالتنسيق مع وزارة الداخلية.
لا مكان للتسويات السياسية أو التسليم العشوائي
تشدد المصادر اللبنانية على أن كل حالة ستدرس بشكل فردي ودقيق، ولن يُسلم أي محكوم إذا كان نقله يشكل خطراً على الأمن اللبناني أو يُفقد الضحايا حقوقهم في التعويض. تتمسك الدولة اللبنانية بحماية حقوق ضحايا الجرائم، ولن يُتخذ أي قرار بالنقل قبل حسم هذه الجوانب قانونياً.
كما ترفض السلطات اللبنانية أي تساهل قد يؤدي إلى تسليم شخص لم تثبت عليه جريمة. لا تملك المحاكم اللبنانية صلاحية محاكمة سوريين على جرائم ارتكبت في الخارج، ولا يمكنها تسليم موقوف دون أدلة واضحة وحكم نهائي.