بقلم: إيمان دويدار
يقولون إن الناس تغيّروا، وأنا لا أوافقهم تمامًا. الناس هم الناس، لكننا نقلناهم من أماكنهم الصحيحة، فوضعنا الطيب في سباق، والهادئ في زحام، والبسيط في زمن معقّد.
في الماضي، كان لكل إنسان مساحة تشبهه: العاقل يُسمَع، والكثير الكلام يُتجاهل، والمنافق يُعرف دون تعريف. أما اليوم، فقد اختلطت الأصوات، وأصبح الأعلى صوتًا هو الأصدق… أو هكذا نظن.
صرنا نعيش مع بعضنا، لكن كلٌّ منا في جزيرته الخاصة. نأكل على مائدة واحدة، وننظر إلى شاشات مختلفة. العائلة تجتمع، لكن الحديث غائب، والصمت ليس راحة… بل انشغال.
نقول: «الدنيا جريت»، وننسى أننا نحن من وقفنا نعدّها وهي تجري. لم نعد نسأل عن الحال، لأن السؤال أصبح التزامًا، والإجابة تحتاج وقتًا، ونحن دائمًا بلا وقت.
العلاقات اليوم سريعة، كأنها وجبات جاهزة: تشبع لحظة، ولا تغذي روحًا. نضحك كثيرًا، لكننا لا نطمئن. نتكلم طوال الوقت، لكننا لا نبوح.
الغريب أننا نخاف من الوحدة، ومع ذلك نهرب من الجلسة الصادقة، لأن الصدق مكلف… يدفعك أن تكون حقيقيًا.
في زمن الصورة، صار المهم كيف نبدو، لا كيف نكون. نُجيد كتابة العبارات الجميلة، لكننا نتلعثم أمام أبسط مشاعر حقيقية.
الأب صار منشغلًا بتأمين الغد، فغاب عن اليوم. والأم تُمسك البيت بيد، وتُمسك القلق باليد الأخرى. والأبناء كبروا قبل أوانهم، وتعلموا الصمت بدل السؤال.
ليست المشكلة في التكنولوجيا، بل في أننا سلمناها مفاتيح قلوبنا، ثم اشتكينا من البرودة.
نحن لا نحتاج دروسًا في التنمية البشرية، نحتاج أن نتذكر كيف كنا بشرًا قبل أن نصبح «مشغولين».
في النهاية، ستكتشف أن أجمل ما في الحياة ليس ما نملكه، بل من يجد وقتًا ليسألك بصدق: «إنت عامل إيه… من جوه؟» هذا السؤال البسيط أصبح عملة نادرة، ومن يملكه… غنيٌّ حقًا.
